وهو وإن كان متصلا به تلاوة ، لكنه غير متصل به نزولا. وقيل نسخ بآية الزكاة. والمعول عليه الأول.
ولم يعين مقدار الصدقة ، ليجزئ القليل والكثير. أخرج الترمذي عن على بن أبى طالب قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ...).
قال لي النبي : صلىاللهعليهوسلم : «ما ترى في دينار» قلت : لا يطيقونه قال : «نصف دينار» قلت : لا يطيقونه ، قال : «فكم»؟ قلت : شعيرة. قال : «فإنك لزهيد».
فلما نزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...) قال صلىاللهعليهوسلم : «خفف الله عن هذه الأمة» ولم يعمل بها ـ على المشهور ـ غير على ـ كرم الله وجهه.
واختلف في مدة بقاء هذا الأمر. أى : الأمر بتقديم الصدقة : فعن مقاتل : عشرة أيام.
وقال قتادة : ساعة من نهار ... (١).
قال بعض العلماء : «والآية الناسخة متأخرة في النزول ، وإن كانت تالية للآية المنسوخة في التلاوة.
والظاهر ـ والله أعلم ـ أن الحادثة من باب الابتلاء والامتحان ، ليظهر للناس محب الدنيا من محب الآخرة ، والله بكل شيء عليم» (٢).
وقال أحد العلماء : «ولا يشتم من قوله ـ تعالى ـ : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ...). أن الصحابة قد وقع منهم تقصير. فإن التقصير إنما يكون إذا ثبت أنه كانت هناك مناجاة لم تصحبها صدقة ، والآية قالت : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) أى : ما أمرتم به من الصدقة ، وقد يكون عدم الفعل ، لأنهم لم يناجوا ، فلا يكون عدم الفعل تقصيرا.
وأما التعبير بالإشفاق من جانبهم ، فلا يدل على تقصيرهم ، فقد يكون الله ـ تعالى ـ علم ـ أن كثيرا منهم استكثر التصدق عند كل مناجاة في المستقبل لو دام الوجوب ، فقال الله ـ تعالى ـ لهم (أَأَشْفَقْتُمْ).
وكذلك ليس في قوله (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) ما يدل على أنهم قصروا ، فإنه يحمل على أن المعنى أنه تاب عليهم برفع التكليف عنهم تخفيفا ، ومثل هذا يجوز أن يعبر عنه بالتوبة ...» (٣).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٣١.
(٢) صفوت البيان ج ٢ ص ٤١٢ لفضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف.
(٣) راجع تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ١٣٣.