وسهمه ـ سبحانه ـ وسهم رسوله واحد ، وذكره ـ تعالى ـ : افتتاح كلام للتيمن والتبرك. فإن لله ما في السموات وما في الأرض ، وفيه تعظيم لشأن الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وأهل القرى المذكورون في الآية هم : أهل الصفراء ، وينبع ، ووادي القرى ، وما هنالك من قرى العرب ، التي تسمى قرى عرينة ، وحكمها مخالف لحكم أموال بنى النضير (١).
ومن العلماء من يرى أن الآية التي معنا ، بمنزلة البيان والتفسير للآية التي قبلها ، لأن الآية الأولى لم تبين المستحقين للفيء الذي أفاءه الله ـ تعالى ـ على رسوله من أموال بنى النضير ، فجاءت الآية الثانية وبينت المستحقين له.
وعلى رأس المفسرين الذين قالوا بهذا الرأى صاحب الكشاف ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : لم يدخل ـ سبحانه ـ العاطف على هذه الجملة ـ وهي قوله : (ما أَفاءَ ...) ـ لأنها بيان للأولى ، فهي منها غير أجنبية عنها. بين لرسوله صلىاللهعليهوسلم ما يصنع بما أفاءه الله عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم ، مقسوما على الأقسام الخمسة (٢).
وقال الإمام ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) : أى جميع البلدان التي تفتح هكذا ، فحكمها حكم أموال بنى النضير ، ولهذا قال : (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه .. (٣).
ومن هذا نرى أن أصحاب الرأى الأول ، يقولون : إن الآيتين في حكمين مختلفين ، لأن الآية الأولى في بيان حكم أموال بنى النضير ، وأن الله ـ تعالى ـ قد جعلها للرسول صلىاللهعليهوسلم يضعها حيث يشاء ، وأما الآية الثانية فهي في حكم أموال القرى الأخرى التي أفاءها الله ـ تعالى ـ على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وأن الله ـ تعالى ـ قد حدد له وجوه صرفها ، فقال : (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ...).
وأما أصحاب الرأى الثاني فيرون أن الآية الثانية مفصلة لما أجملته الآية الأولى ، وأن كل فيء يقسم بالطريقة التي بينتها الآية الثانية.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأن الثابت في السنة الصحيحة : أن أموال بنى النضير ، لم يخمسها صلىاللهعليهوسلم بل كانت له خاصة ، يوزعها كما يشاء ، وقد آثر بها المهاجرين ، وقسمها عليهم : ولم يعط الأنصار منها شيئا سوى ثلاثة رجال منهم ، كانت بهم
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٤٥.
(٢) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨٢.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٣٥.