وقيل : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أى : إلا ليقروا لي بالعبادة طوعا أو كرها (١).
ويبدو لنا أن أرجح هذه الأقوال هو ما أشرنا إليه أولا ، من أن معنى الآية الكريمة ، أن الله ـ تعالى ـ قد خلق الثقلين لعبادته وطاعته ، ولكن منهم من أطاعه ـ سبحانه ـ ، ومنهم من عصاه. لاستحواذ الشيطان عليه.
قال الإمام ابن كثير بعد أن ذكر جملة من الأقوال : ومعنى الآية أنه ـ تعالى ـ خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له ، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ، ومن عصاه عذبه أشد العذاب.
وفي الحديث القدسي : قال الله ـ عزوجل ـ «يا ابن آدم ، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ، ولم أسد فقرك ...».
وفي بعض الكتب الإلهية. يقول الله ـ تعالى ـ «يا ابن آدم ، خلقتك لعبادتي فلا تلعب ، وتكفلت برزقك فلا تتعب ، فاطلبنى تجدني. فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه غنى عن العالمين فقال : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) أى : ما أريد منهم منفعة أو رزقا كما يريد الناس بعضهم من بعض .. وما أريد منهم طعاما ولا شرابا ، فأنا الذي أطعم ولا أطعم كما قال ـ سبحانه ـ : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ، فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (٣).
قال الآلوسى : والآية لبيان أن شأنه ـ تعالى ـ مع عباده ليس كشأن السادة مع عبيدهم ، لأنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم وأرزاقهم ، ومالك العبيد نفى أن يكون ملكه إياهم لذلك ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : ما أريد أن أستعين بهم ، كما يستعين ملاك العبيد بعبيدهم ، فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي (٤).
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه هو صاحب القوة والرزق فقال : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) أى : إن الله ـ تعالى ـ هو الرزاق لغيره دون أحد سواه ، وهو ـ سبحانه ـ صاحب القوة التي لا تشبهها قوة ، وهو المتين أى : الشديد القوة ـ أيضا ـ فهو صفة للرزاق ، أو لقوله : (ذُو) ، أو خبر مبتدأ محذوف. وهو مأخوذ من المتانة بمعنى القوة الفائقة.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٥٦.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٠١.
(٣) سورة الأنعام الآية ١٤.
(٤) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٢٢.