والنار ، والبون العظيم بين أصحابهما ، وأن الفوز مع أصحاب الجنة ، فمن حقهم أن يعلموا ذلك وينبهوا عليه ، كما تقول لمن يعق أباه ، هو أبوك ، تجعله بمنزلة من لا يعرفه ، فتنبهه بذلك على حق الأبوة ، الذي يقتضى البر والتعطف .. (١).
ومن الآيات الكثيرة التي تشبه هذه الآية في معناها ، قوله ـ تعالى ـ : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) (٢).
ثم نوه ـ سبحانه ـ بشأن القرآن الكريم ، المشتمل على ألوان من الهدايات والمواعظ ، والآداب والأحكام ، التي في اتباعها سعادة الناس وفوزهم فقال : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ، لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ...).
والمراد بالجبل : حقيقته والكلام على سبيل الفرض والتقدير ، واختير الجبل ، لأنه أشد الأشياء صلابة ، وقلة تأثر بما ينزل به.
أى : لو أنزلنا ـ على سبل الفرض والتقدير ـ هذا القرآن العظيم الشأن على جبل من الجبال العالية الشامخة الصلبة وخاطبناه به .. لرأيت ـ أيها العاقل ـ هذا الجبل الذي هو مثال في الشدة والغلظة والضخامة وعدم التأثر. لرأيته (خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ).
أى : لرأيته متذللا متشققا من شدة خوفه من الله ـ تعالى ـ ومن خشيته.
قال الآلوسى : وهذا تمثيل لعلو شأن القرآن ، وقوة تأثيره ، والغرض ـ من هذه الآية ـ توبيخ الإنسان على قسوة قلبه ، وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن الكريم ، وتدبر ما فيه من القوارع ، وهو الذي لو أنزل على جبل ـ وقد ركب فيه العقل ـ لخشع وتصدع.
ويشير إلى كونه تمثيلا ، قوله ـ تعالى ـ : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٣).
أى : وتلك الأمثال الباهرة التي اشتمل عليها هذا القرآن العظيم ، نضربها ونسوقها للناس ، لكي يتفكروا فيها ، ويعملوا بما تقتضيه من توجيهات حكيمة ومن مواعظ سديدة ، ومن إرشادات نافعة.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بالثناء على ذاته ـ تعالى ـ وببيان بعض أسمائه الحسنى فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٠٨.
(٢) سورة غافر الآية ٥٨.
(٣) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٦٢.