ولا والله ما مست يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام .. وما مست كف رسول الله صلىاللهعليهوسلم كف امرأة قط ، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن : «قد بايعتكن كلاما» (١).
والمعنى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) أى : مبايعات لك ، أو قاصدات مبايعتك ، ومعاهدتك على الطاعة لما تأمرهن به ، أو تنهاهن عنه.
وأصل المبايعة : مقابلة شيء بشيء على سبيل المعاوضة. وسميت المعاهدة مبايعة ، تشبيها لها بها ، فإن الناس إذا التزموا قبول ما شرط عليهم من التكاليف الشرعية ، ـ طمعا في الثواب ، وخوفا من العقاب ، وضمن لهم صلىاللهعليهوسلم ذلك في مقابلة وفائهم بالعهد ـ صار كأن كل واحد منهم باع ما عنده في مقابل ما عند الآخر.
والمقتضى لهذه المبايعة بعد الامتحان لهن ، أنهن دخلن في الإسلام ، بعد أن شرع الله ـ تعالى ـ ما شرع من أحكام وآداب .. فكان من المناسب أن يأخذ النبي صلىاللهعليهوسلم عليهن العهود ، بأن يلتزمن بالتكاليف التي كلفهن الله ـ تعالى ـ بها.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما تمت عليه المبايعة فقال : (عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً) أى : يبايعنك ويعاهدنك على عدم الإشراك بالله ـ تعالى ـ في أى أمر من الأمور التي تتعلق بالعقيدة أو بالعبادة أو بغيرهما.
(وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ). أى ويبايعنك ـ أيضا ـ على عدم ارتكاب فاحشة السرقة ، أو فاحشة الزنا ، فإنهما من الكبائر التي نهى الله ـ تعالى ـ عنها.
(وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) أى : ويبايعنك كذلك ، على عدم قتلهن لأولادهن.
والمراد به هنا : النهى عن قتل البنات ، وكان ذلك في الجاهلية يقع تارة من الرجال ، وأخرى من النساء ، فكانت المرأة إذا حانت ولادتها حفرت حفرة ، فولدت بجانبها ، فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة ، وسوتها بالتراب ، وإذا ولدت غلاما أبقته.
قال ابن كثير : وقوله (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) وهذا يشمل قتله بعد وجوده ، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق ، ويعم قتله وهو جنين ، كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء ، تطرح نفسها لئلا تحبل ، إما لغرض فاسد ، أو ما أشبهه (٢).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٧١. وتفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٢٢.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٢٦.