وقوله : (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) معطوف على ما قبله وداخل تحت النهى.
والبهتان : الخبر الكاذب الصريح في كذبه ، والذي يجعل من قيل فيه يقف مبهوتا ومتحيرا من شدة أثر هذا الكذب السافر.
والافتراء : اختلاق الكذب واختراع الشخص له من عند نفسه.
وللمفسرين في معنى هذه الجملة الكريمة أقوال ، منها : أن المرأة في الجاهلية كانت تلتقط المولود وتقول لزوجها : هذا ولدي منك ، فذلك هو البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن ، لأن الولد إذا وضعته الأم ، سقط بين يديها ورجليها.
ويرى بعضهم أن معنى الجملة الكريمة : ولا تأتوا بكذب شنيع تختلقونه من جهة أنفسكم ، فاليد والرجل كناية عن الذات ، لأن معظم الأفعال بهما ، ولذا قيل لمن ارتكب جناية قولية أو فعلية : هذا جزاء ما كسبت يداك (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) من الأقوال الجامعة لكل ما يخبر به النبي صلىاللهعليهوسلم ويأمر بفعله ، أو ينهى عن الاقتراب منه.
ويشمل ذلك النهى عن شق الجيوب ، ولطم الخدود ، ودعوى الجاهلية وغير ذلك من المنكرات التي نهى الإسلام عنها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) جواب (إِذا) التي في أول الآية.
أى : إذا جاءك المؤمنات قاصدات لمبايعتك على الالتزام بتعاليم الإسلام ، فبايعهن على ذلك ... واستغفر لهن الله ـ تعالى ـ عما فرط منهن من ذنوب. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أى : إن الله ـ تعالى ـ واسع المغفرة والرحمة لعباده المؤمنين.
وهذه المبايعة يبدو أنها وقعت منه صلىاللهعليهوسلم للنساء أكثر من مرة : إذ منها ما وقع في أعقاب صلح الحديبية ، بعد أن جاءه بعض النساء المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام ، كما حدث من أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، ومن سبيعة الأسلمية ، ومن أميمة بنت بشر ، ومن غيرهن من النساء اللائي تركن أزواجهن الكفار ، وهاجرن إلى دار الإسلام.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٨٠.