وقال قتادة والضحاك : نزلت توبيخا لقوم كانوا يقولون : قتلنا ، ضربنا ، طعنّا ، وفعلنا ، ولم يكونوا فعلوا ذلك (١).
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (لِمَ تَقُولُونَ) للإنكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان قولا لا يؤيده فعله ، لأن هذا القول إما أن يكون كذبا ، وإما أن يكون خلفا للوعد ، وكلاهما يبغضه الله ـ تعالى ـ.
و (لِمَ) مركبة من اللام الجارة ، وما الاستفهامية ، وحذفت ألف ما الاستفهامية مع حرف الجر ، تخفيفا لكثرة استعمالها معا ، كما في قولهم : بم ، وفيم ، وعمّ.
أى : يا من آمنتم بالله واليوم الآخر .. لما ذا تقولون قولا ، تخالفه أفعالكم ، بأن تزعموا بأنكم لو كلفتم بكذا لفعلتموه ، فلما كلفتم به قصرتم فيه ، أو أن تقولوا بأنكم فعلتم كذا وكذا ، مع أنكم لم تفعلوا ذلك.
وناداهم بصفة الإيمان الحق ، لتحريك حرارة الإيمان في قلوبهم ، وللتعريض بهم ، إذ من شأن الإيمان الحق أن يحمل المؤمن على أن يكون قوله مطابقا لفعله.
وقوله ـ سبحانه ـ : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) بيان للآثار السيئة التي تترتب على القول الذي يخالفه الفعل.
وقوله : (كَبُرَ) بمعنى عظم ، لأن الشيء الكبير ، لا يوصف بهذا الوصف ، إلا إذا كان فيه كثرة وشدة في نوعه.
والمقت : البغض الشديد ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) ، وهو منصوب على التمييز المحول عن الفاعل : للإشعار بأن قولهم هذا مقت خالص لا تشوبه شائبة من الرضا.
أى : كبر وعظم المقت الناشئ عن قولكم قولا لا تطابقه أفعالكم.
وقال ـ سبحانه ـ : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) للإشعار بشناعة هذا البغض من الله تعالى ـ لهم ، بسبب مخالفة قولهم لفعلهم ، لأنه إذا كانت هذه الصفة عظيمة الشناعة عند الله ، فعلى كل عاقل أن يجتنبها ، ويبتعد عنها.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : ونداؤهم بالإيمان تهكم بهم وبإيمانهم وهذا من أفصح الكلام وأبلغه في معناه. وقصد في «كبر» التعجب من غير لفظه ... ومعنى التعجب : تعظيم
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٣٢.