الذين أنكروا ذلك ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول لهم : لئن كنتم قد أنكرتم هذه الرؤية في الأرض ، فإنه صلىاللهعليهوسلم لم يره في الأرض فقط ، بل رآه رؤية أعظم من ذلك ، وهي رؤيته له في السماء ، حين كان مصاحبا له في رحلته ليلة الإسراء والمعراج.
قال الآلوسى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) أى : رأى النبي صلىاللهعليهوسلم جبريل في صورته التي خلقه الله عليها (نَزْلَةً أُخْرى) أى : مرة أخرى ، وهي فعلة من النزول ، أقيمت مقام المرة ، ونصبت نصبها على الظرفية ، لأن أصل المرة مصدر مر يمر ، ولشدة اتصال الفعل بالزمان يعبر به عنه. ولم يقل مرة بدل نزلة ؛ ليفيد أن الرؤية في هذه المرة ، كانت بنزول ودنو ، كالرؤية في المرة الأولى ، الدال عليها ما مر ...
والمراد من الجملة القسمية ، نفى الريبة والشك عن المرة الأخيرة ، وكانت ليلة الإسراء (١).
وقوله : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) بيان للمكان الذي تمت عنده الرؤية الثانية.
والسدرة في الأصل : تطلق على شجرة النّبق ، وهو ثمر معروف في بلاد العرب.
والمنتهى : اسم مكان ، أو مصدر ميمى بمعنى الانتهاء. وإضافة السدرة إليه ، من باب إضافة الشيء إلى مكانه ، كما في قولهم : أشجار البستان. أو من إضافة المحل إلى الحال ، كما في قولك : كتاب الفقه أو النحو ..
وسمى هذا المكان بسدرة المنتهى ، لانتهاء علوم الخلائق عنده ، وما وراءه لا يعلمه إلا الله ـ تعالى ـ.
أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : لما أسرى برسول الله صلىاللهعليهوسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السابعة وإليها ينتهى ما يعرج من الأرض فيقبض منها. وإليها ينتهى ما يهبط من فوقها فيقبض منها (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يدل على شرف هذا المكان فقال : (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى).
أى : عند سدرة المنتهى ، جنة المأوى. أى : الجنة التي تأوى وتسكن إليها أرواح المؤمنين الصادقين ، الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه.
ثم نوه ـ سبحانه ـ بما يحيط بذلك المكان من جلال وجمال لا تحيط العبارة بوصفه فقال :
(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٥٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٥٢.