أكرمناه برؤيتها ليزداد يقينا على يقينه ، وثباتا على ثباته ، وقوة على قوته في تبليغ رسالتنا ، وحمل أمانتنا.
هذا ، وقد جرينا في تفسيرنا لهذه الآيات على الرأى الذي سار عليه المحققون من العلماء وهو أن هذه الآيات تحكى رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل مرتين ، كما سبق أن بينا ، وأن الضمائر في تلك الآيات منها ما يرجع إلى جبريل ، ومنها ما يرجع إلى الله ـ عزوجل ـ.
وقد أعدنا كل ضمير إلى مرجعه الذي نراه مناسبا للمقام ...
فمثلا : الضمير المنصوب في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) قلنا : إنه يعود إلى جبريل. أى : أن الرسول صلىاللهعليهوسلم رأى جبريل على هيئته التي خلقه الله عليها مرة أخرى ، غير المرة الأولى التي كانت في أوائل بعثته صلىاللهعليهوسلم.
ولكن بعض المفسرين يرون أن مرجع الضمير في هذه الآية وغيرها ، يعود إلى الله ـ تعالى ـ ، ويستدلون بذلك على أن الرسول صلىاللهعليهوسلم رأى ربه.
وقد فصل القول في هذه المسألة الإمام الآلوسى فقال ما ملخصه : فالضمائر في «دنا» «وتدلى» «وأوحى ..» وكذلك الضمير المنصوب في «رآه» لله ـ عزوجل ـ ..
واستدل بذلك مثبتو رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم لله ـ عزوجل ـ كابن عباس وغيره ..
وخالفت في ذلك عائشة ـ رضى الله عنها ـ فقد أخرج مسلم عن مسروق قال : كنت عند عائشة فقالت : ثلاث من تكلم بواحدة منهن ، فقد أعظم على الله ـ تعالى ـ الفرية.
قلت : ما هن؟ قالت : من زعم أن محمدا يعلم الغيب فقد كذب ، ومن زعم أن محمدا كتم شيئا فقد كذب ، ومن زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ، فقلت : يا أم المؤمنين : ألم يقل الله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)؟. فقالت : أنا أول من سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فقال : «لا ، إنما هو جبريل ، لم أره على صورته التي خلق عليها سوى هاتين المرتين. رأيته منهبطا من السماء سادا ما بين السماء إلى الأرض».
ثم قال الآلوسى : ولا يخفى أن جواب الرسول صلىاللهعليهوسلم على عائشة ، ظاهر في أن الضمير المنصوب في (رَآهُ) ليس راجعا إليه ـ تعالى ـ ، بل إلى جبريل ـ عليهالسلام ـ .. (١).
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها ترد على المشركين مزاعمهم ، بأبلغ أسلوب ، وأقوى
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٥٢ وابن كثير ج ٤ ص ٢٤٨ وما بعدها.