فعن الحسن أنه قال : اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ، ثم لا يعود ... (١).
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأن العلماء قسموا الذنوب إلى كبائر وصغائر ، وأن اللمم من النوع الثاني الذي لا يدخل تحت كبائر الإثم والفواحش.
قال صاحب الكشاف : واللمم : ما قل وصغر ... والمراد به الصغائر من الذنوب ، ولا يخلو قوله ـ تعالى ـ (إِلَّا اللَّمَمَ) من أن يكون استثناء منقطعا .. كأنه قيل : كبائر الإثم غير اللمم (٢).
وليس المقصود من قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا اللَّمَمَ) فتح الباب لارتكاب صغائر الذنوب ، وإنما المقصود فتح باب التوبة ، والحض على المبادرة بها ، حتى لا ييأس مرتكب الصغائر من رحمة الله ـ تعالى ـ وحتى لا يمضى قدما في ارتكاب هذه الصغائر ، إذ من المعروف أن ارتكاب الصغائر ، قد يجر إلى ارتكاب الكبائر.
كذلك من المقصود بهذا الاستثناء أن لا يعامل مرتكب الصغائر ، معاملة مرتكب الكبائر.
هذا ، وقد أفاض الإمام الآلوسي في الحديث عن الكبائر والصغائر ، فقال : والآية عند الأكثرين دليل على أن المعاصي منها الكبائر ، ومنها الصغائر ..
وأنكر جماعة من الأئمة هذا الانقسام ، وقالوا : سائر المعاصي كبائر.
ثم قال : واختلف القائلون بالفرق بين الكبائر والصغائر في حد الكبيرة فقيل : هي كل ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيد شديد ، بنص كتاب أو سنة ..
وقيل : كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ، ورقة الديانة.
واعتمد الواحدي أنه لا حد لها يحصرها ويعرفها العباد به ، وقد أخفى الله ـ تعالى ـ أمرها ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه ، رجاء أن تجتنب الكبائر .. (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ...) تعليل لاستثناء اللمم ، وتنبيه على أن إخراجه عن حكم المؤاخذة ، ليس لخلوه عن الذنب في ذاته ، بل لسعة رحمة الله ومغفرته.
أى : إن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ واسع المغفرة والرحمة ، لعباده الذين وقعوا فيما نهاهم عنه ـ سبحانه ـ ثم تابوا إليه توبة صادقة نصوحا.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هذه الرحمة الواسعة ، صادرة عن علم شامل للظواهر والبواطن ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٥٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٢.
(٣) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٦١.