دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) (٦٢)
ذكر المفسرون روايات في سبب نزول قوله ـ تعالى ـ : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) منها : أنها نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان قد سمع قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجلس إليه ووعظه ، فهمّ أن يدخل في الإسلام. فعاتبه رجل من المشركين ، وقال له : أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك ، واثبت عليه ، وأنا أتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة ، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال.
فوافقه الوليد على ذلك ، ورجع عماهم به من الدخول في الإسلام ، وأعطى بعض المال لذلك الرجل ، ثم أمسك عن الباقي ، وبخل به ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآيات .. (١).
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَفَرَأَيْتَ ...) للتعجيب من حال هذا الإنسان ، الذي أعرض عن الحق ، بعد أن عرف الطريق إليه.
أى : أفرأيت ـ أيها الرسول الكريم ـ حالا أعجب من حال هذا الإنسان الذي تولى عن الهدى ، ونبذه وراء ظهره ، بعد أن قارب الدخول فيه.
(وَأَعْطى قَلِيلاً) من العطاء (وَأَكْدى) أى ثم قطع هذا العطاء.
قال صاحب الكشاف : (وَأَكْدى) أى : وقطع عطيته وأمسك ، وأصله إكداء الحافر ، وهو أن تلقاه كديه ، وهي صلابة كالصخر فيمسك عن الحفر ... (٢).
والمراد به هنا : ذمه بالبخل والشح ، بعد ذمه بالتولى عن الحق.
(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) أى : أعند هذا الإنسان الذي أعرض عن الرشد ، علم الغيوب المستترة عن الأعين والنفوس ، فهو وحده يراها ، ويطلع عليها ويعلم أن في إمكان الغير أن يحمل عنه أوزاره وذنوبه يوم القيامة؟.
كلا ، إنه لا علم عنده بشيء من ذلك ، وإنما هو قد ارتد على أعقابه ، لانطماس بصيرته. بعد أن قارب الرشد والصواب.
فالاستفهام في قوله : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ ...) للنفي والإنكار.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٦٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٣.