وقدم ـ سبحانه ـ الظرف «عنده» وهو مسند ، على «علم الغيب» وهو مسند إليه ، لإفادة الاهتمام بهذه العندية التي من أعجب العجب ادعاؤها ، وللإشعار بأنه بعيد عنها بعد الأرض عن السماء.
والفاء في قوله : (فَهُوَ يَرى) للسببية ، ومفعول (يَرى) محذوف.
أى : فهو بسبب معرفته للعوالم الغيبية ، يبصر رفع العذاب عنه ، ويعلم أن غيره سيتكفل بافتدائه من هذا العذاب.
ثم وبخه ـ سبحانه ـ على جهالته وعدم فهمه فقال : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى ، وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ...).
و «أم» هنا للإضراب الانتقالى من ذمه على إعراضه وبخله ، إلى ذمه على جهله وحمقه ، وصحف موسى : هي التوراة التي أنزلها ـ سبحانه ـ عليه.
وصحف إبراهيم : هي الصحف التي أوحى الله ـ تعالى ـ إليه بما فيها ، وقد ذكر سبحانه ذلك في قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى).
وخصت صحف هذين النبيين الكريمين بالذكر ، لأنها كانت أشهر من غيرها عند العرب ، وكانوا يسألون أهل الكتاب من اليهود عما خفى عليهم من صحف موسى.
وقدم ـ سبحانه ـ هنا صحف موسى ، لاشتهارها بسعة الأحكام التي اشتملت عليها ، بالنسبة لما وصل إليهم من صحف إبراهيم.
وأما في سورة الأعلى فقدمت صحف إبراهيم على صحف موسى لوقوعهما بدلا من الصحف الأولى ، وصحف إبراهيم أقدم من صحف موسى ، فكان الإتيان بهما على الترتيب الزمنى أنسب بالمقام.
وحذف ـ سبحانه ـ متعلق «ووفّى» ليتناول كل ما يجب الوفاء به ، كمحافظته على أداء حقوق الله ـ تعالى ـ ، واجتهاده في تبليغ الرسالة التي كلفه ـ سبحانه ـ بتبليغها ، ووقوفه عند الأوامر التي أمره ـ تعالى ـ بها ، وعند النواهي التي نهاه عنها ...
وأن في قوله ـ تعالى ـ : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) مخففة من الثقيلة. واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة بدل من صحف موسى وإبراهيم.
وقوله (تَزِرُ) من الوزر بمعنى الحمل .. وقوله (وازِرَةٌ) صفة لموصوف محذوف. أى : نفس وازرة.
والمعنى : إذا كان هذا الإنسان المتولى عن الحق .. جاهلا بكل ما يجب العلم به من شئون