يكفون. وقوله : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان ، أي : كائنون ممن ترضون ، حال كونهم من الشهداء. والمراد : ممن ترضون دينهم وعدالتهم ، وفيه : أن المرأتين في الشهادة برجل ، وأنها لا تجوز شهادة النساء إلا مع الرجل لا وحدهنّ ، إلا فيما لا يطلع عليه غيرهنّ للضرورة. واختلفوا هل يجوز الحكم بشهادة امرأتين مع يمين المدّعى كما جاز الحكم برجل مع يمين المدّعى؟ فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز ذلك ، لأن الله سبحانه قد جعل المرأتين كالرجل في هذه الآية. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا يجوز ذلك ، وهذا يرجع إلى الخلاف في الحكم بشاهد مع يمين المدّعى ، والحق أنه جائز لورود الدليل عليه ، وهو زيادة لم تخالف ما في الكتاب العزيز فيتعين قبولها. وقد أوضحنا ذلك في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا ، ومعلوم عند كل من يفهم : أنه ليس في هذه الآية ما يردّ به قضاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالشاهد واليمين ، ولم يدفعوا هذا إلا بقاعدة مبنية على شفا جرف هار هي قولهم : إن الزيادة على النص نسخ ، وهذه دعوى باطلة ، بل الزيادة على النص شريعة ثابتة جاءنا بها من جاءنا بالنص المتقدم عليها ، وأيضا كان يلزمهم أن لا يحكموا بنكول المطلوب ولا بيمين الرد على الطالب. وقد حكموا بهما. والجواب الجواب. قوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) قال أبو عبيد : معنى تضل : تنسى. والضلال عن الشهادة : إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء. وقرأ حمزة : «إن تضلّ» بكسر الهمزة. وقوله : (فَتُذَكِّرَ) جوابه على هذه القراءة ، وعلى قراءة الجمهور هو منصوب بالعطف على تضلّ ، ومن رفعه فعلى الاستئناف. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فتذكر» بتخفيف الذال والكاف ، ومعناه : تزيدها ذكرا. وقراءة الجماعة : بالتشديد ، أي : تنبهها إذا غفلت ونسيت ، وهذه الآية تعليل لاعتبار العدد في النساء ، أي : فليشهد رجل وتشهد امرأتان عوضا عن الرجل الآخر ، لأجل تذكير إحداهما للأخرى إذا ضلت ، وعلى هذا فيكون في الكلام حذف ، وهو سؤال سائل عن وجه اعتبار امرأتين عوضا عن الرجل الواحد ، فقيل : وجهه أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ، والعلة في الحقيقة هي التذكير ، ولكن الضلال لما كان سببا له نزل منزلته ، وأبهم الفاعل في تضلّ وتذكر ، لأن كلا منهما يجوز عليه الوصفان ؛ فالمعنى : إن ضلت هذه ذكرتها هذه ، وإن ضلت هذه ذكرتها هذه ، لا على التعيين ، أي : إن ضلت إحدى المرأتين ذكرتها المرأة الأخرى ، وإنما اعتبر فيهما هذا التذكير لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال. وقد يكون الوجه في الإبهام : أن ذلك ، يعني : الضلال والتذكر يقع بينهما متناوبا حتى ربما ضلت هذه عن وجه وضلت تلك عن وجه آخر ، فذكرت كل واحدة منهما صاحبتها. وقال سفيان بن عيينة : معنى قوله : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) تصيرها ذكرا ، يعني أن مجموع شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل الواحد. وروي نحوه عن أبي عمرو بن العلاء ، ولا شك أن هذا باطل لا يدل عليه شرع ولا لغة ولا عقل. قوله : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) أي : لأداء الشهادة التي قد تحملوها من قبل ؛ وقيل : إذا ما دعوا لتحمل الشهادة ، وتسميتهم شهداء مجاز كما تقدم ، وحملها الحسن على المعنيين. وظاهر هذا النهي أن الامتناع من أداء الشهادة حرام. قوله : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ) معنى تسأموا : تملوا. قال الأخفش : يقال سئمت أسأم سآمة وسآما ، ومنه قول الشاعر :