خطأ ونسيانا ، ويعرف ذلك في الفروع. انتهى. قوله : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) عطف على الجملة التي قبله ، وتكرير النداء للإيذان بمزيد التضرّع واللجأ إلى الله سبحانه. والإصر : العبء الثقيل الذي يأصر صاحبه ، أي : يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله. والمراد به هنا التكليف الشاق ، والأمر الغليظ الصعب ؛ وقيل الإصر : شدّة العمل وما غلظ على بني إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة ، ومنه قول النابغة :
يا مانع الضّيم أن تغشى سراتهم |
|
والحامل الإصر عنهم بعد ما غرقوا |
وقيل : الإصر : المسخ قردة وخنازير ؛ وقيل : العهد ، ومنه قوله تعالى : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) وهذا الخلاف يرجع إلى بيان ما هو الإصر الذي كان على من قبلنا ، لا إلى معنى الإصر في لغة العرب ، فإنه ما تقدّم ذكره بلا نزاع ، والإصار : الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها ، يقال : أصر يأصر إصرا : حبس ، والإصر بكسر الهمزة من ذلك. قال الجوهري : والموضع : مأصر ، والجمع : مأصر ، والعامة تقول معاصر. ومعنى الآية : أنهم طلبوا من الله سبحانه أن لا يحملهم من ثقل التكاليف ما حمل الأمم قبلهم. وقوله : (كَما حَمَلْتَهُ) صفة مصدر محذوف : أي حملا مثل حملك إياه على من قبلنا ، أو صفة لإصرا ، أي : إصرا مثل الإصر الذي حملته على من قبلنا. قوله : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) هو أيضا عطف على ما قبله ، وتكرير النداء للنكتة المذكورة قبل هذا. والمعنى : لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق ؛ وقيل : عبارة عن إنزال العقوبات ، كأنه قال : لا تنزل علينا العقوبات بتفريطنا في المحافظة على تلك التكاليف الشاقة التي كلفت بها من قبلنا ؛ وقيل : المراد به الشاق الذي لا يكاد يستطاع من التكاليف. قال في الكشاف : وهذا تقرير لقوله : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً). قوله : (وَاعْفُ عَنَّا) أي : عن ذنوبنا ، يقال : عفوت عن ذنبه : إذا تركته ولم تعاقبه عليه (وَاغْفِرْ لَنا) أي : استر على ذنوبنا ، والغفر : الستر (وَارْحَمْنا) أي : تفضل برحمة منك علينا (أَنْتَ مَوْلانا) أي : ولينا وناصرنا ، وخرج هذا مخرج التعليم كيف يدعون ؛ وقيل معناه : أنت سيدنا ونحن عبيدك (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فإن من حق المولى أن ينصر عبيده ، والمراد : عامة الكفرة ، وفيه إشارة إلى إعلاء كلمة الله في الجهاد في سبيله. وقد قدّمنا في شرح الآية التي قبل هذه أعني قوله : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) إلخ ، أنه ثبت في الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن الله تعالى قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات قد فعلت ، فكان ذلك دليلا على أنه سبحانه لم يؤاخذهم بشيء من الخطأ والنسيان ، ولا حمل عليهم شيئا من الإصر الذي حمله على من قبلهم ، ولا حملهم ما لا طاقة لهم به ، وعفا عنهم ، وغفر لهم ، ورحمهم ، ونصرهم على القوم الكافرين ، والحمد لله رب العالمين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) لا نكفر بما جاءت به الرسل ، ولا نفرّق بين أحد منهم ، ولا نكذب به (وَقالُوا سَمِعْنا) للقرآن الذي جاء من الله (وَأَطَعْنا) ، أقرّوا لله أن يطيعوه في أمره ونهيه. وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) قال : قد غفرت لكم (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) قال : إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب. وأخرج سعيد