واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه. وفي البخاري ، ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري : أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الغزو ، وتخلفوا عنه ؛ وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فإذا قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الغزو اعتذروا إليه ، وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت. وقد روي : أنها نزلت في فنحاص وأشيع وأشباههما. وروي : أنها نزلت في اليهود. وأخرج مالك ، وابن سعد ، والطبراني ، والبيهقي في الدلائل عن محمد بن ثابت أن ثابت بن قيس قال : «يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال : لم؟ قال : قد نهانا الله أن نحبّ أن نحمد بما لم نفعل ، وأجدني أحبّ الحمد ، ونهانا عن الخيلاء ، وأجدني أحبّ الجمال ، ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وأنا رجل جهير الصوت ، فقال : يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟» فعاش حميدا ، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب. وأخرج ابن المنذر عن الضحّاك في قوله : (بِمَفازَةٍ) قال : بمنجاة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤))
قوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) هذه جملة مستأنفة لتقرير اختصاصه سبحانه بما ذكره فيها. والمراد : ذات السموات والأرض وصفاتهما (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : تعاقبهما ، وكون كل واحد منهما يخلف الآخر ، وكون زيادة أحدهما في نقصان الآخر ، وتفاوتهما طولا وقصرا ، وحرا وبردا ، وغير ذلك (لَآياتٍ) أي : دلالات واضحة ، وبراهين بينة ، تدل على الخالق سبحانه. وقد تقدم تفسير بعض ما هنا في سورة البقرة. والمراد باولي الألباب : أهل العقول الصحيحة الخالصة عن شوائب النقص ، فإن مجرد التفكر فيما قصه الله في هذه الآية يكفي العاقل ، ويوصله إلى الإيمان الذي لا تزلزله الشبه ، ولا تدفعه التشكيكات. قوله : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) الموصول : نعت لأولي الألباب ـ وقيل : هو مفصول عنه ، خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوب على المدح ، والمراد بالذكر هنا : ذكره سبحانه في هذه الأحوال ، من غير فرق بين حال الصلاة وغيرها ، وذهب جماعة من المفسرين : إلى أن الذكر هنا عبارة عن الصلاة ، أي : لا يضيعونها في حال من الأحوال ، فيصلونها قياما مع عدم العذر ، وقعودا وعلى جنوبهم مع العذر. قوله : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معطوف على قوله : (يَذْكُرُونَ) وقيل : إنه معطوف على الحال ، أعني : (قِياماً وَقُعُوداً) وقيل : إنه منقطع عن الأوّل ، والمعنى : أنهم يتفكرون في بديع صنعهما ، واتقانهما ، مع عظم أجرامهما ، فإن هذا الفكر إذا كان صادقا أوصلهم إلى الإيمان