والمفازة : المنجاة ، مفعلة ، من : فاز ، يفوز ، إذا نجا ، أي : ليسوا بفائزين ، سمي موضع الخوف مفازة على جهة التفاؤل ، قاله الأصمعي. وقيل : لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك ، تقول العرب : فوز الرجل : إذا مات. قال ثعلب : حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال : أخطأ. قال لي أبو المكارم : إنما سميت مفازة لأن من قطعها فاز. وقال ابن الأعرابي : بل لأنه مستسلم لما أصابه. وقيل : المعنى : لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب ، لأن الفوز التباعد عن المكروه. وقرأ مروان بن الحكم ، والأعمش ، وإبراهيم النخعي : «آتوا» بالمد ، أي : يفرحون بما أعطوا. وقرأ جمهور القراء السبعة وغيرهم : «أتوا» بالقصر.
وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وهناد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وصححه ، وابن حبان ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم والحاكم ، وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ موضع سوط في الجنّة خير من الدنيا وما فيها ، اقرءوا إن شئتم : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ)». وأخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد مرفوعا نحوه. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الزهري في قوله : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال : هو كعب بن الأشرف ، وكان يحرّض المشركين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه في شعره. وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مثله. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال : يعني : اليهود والنصارى ، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (١) ، ومن النصارى قولهم : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (٢) (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) قال : من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به. وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير عن ابن عباس في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) قال : فنحاص ، وأشيع ، وأشباههما من الأحبار. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) قال : كان الله أمرهم أن يتبعوا النبي الأميّ. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : في التوراة والإنجيل أن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده. وأن محمدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فنبذوه. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : هم اليهود (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) قال : محمدا صلىاللهعليهوسلم. وأخرج ابن جرير عن السدّي مثله. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ، فمن علم علما فليعلمه الناس ، وإياكم وكتمان العلم ، فإن كتمان العلم هلكة. وأخرج ابن سعد عن الحسن قال : لو لا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما : أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي ، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا ، لنعذبنّ أجمعون ، فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ، إنما أنزلت في أهل الكتاب ، ثم تلا (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية ، قال ابن عباس : سألهم النبي صلىاللهعليهوسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه
__________________
(١). التوبة : ٣٠.
(٢). التوبة : ٣٠.