والمواعيد الكاذبة ، شبه سبحانه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على من يريده ، وله ظاهر محبوب وباطن مكروه. قوله : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) هذا الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وأمته تسلية لهم عما سيلقونه من الكفرة والفسقة ، ليوطنوا أنفسهم على الثبات والصبر على المكاره. والابتلاء : الامتحان والاختبار ، والمعنى : لتمتحننّ ، ولتختبرنّ في أموالكم بالمصائب ، والإنفاقات الواجبة ، وسائر التكاليف الشرعية المتعلقة بالأموال. والابتلاء في الأنفس : بالموت والأمراض ، وفقد الأحباب ، والقتل في سبيل الله وهذه الجملة جواب قسم محذوف ، دلت عليه اللام الموطئة (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وهم اليهود والنصارى (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) وهم سائر الطوائف الكفرية من غير أهل الكتاب (أَذىً كَثِيراً) من الطعن في دينكم وأعراضكم ، والإشارة بقوله : (فَإِنَّ ذلِكَ) إلى الصبر والتقوى المدلول عليها بالفعلين. وعزم الأمور : معزوماتها ، أي : مما يجب عليكم أن تعزموا عليه ، لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها ، يقال : عزم الأمر : أي شدّه وأصلحه. قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) هذه الآية توبيخ لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى ، أو اليهود فقط ، على الخلاف في ذلك ـ والظاهر : أن المراد بأهل الكتاب : كل من آتاه الله علم شيء من الكتاب ، أيّ كتاب كان ، كما يفيده التعريف الجنسي في الكتاب. قال الحسن وقتادة : إن الآية عامة لكل عالم ، وكذا قال محمد بن كعب ، ويدل على ذلك قول أبي هريرة : لو لا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ، ثم تلا هذه الآية ، والضمير في قوله : (لَتُبَيِّنُنَّهُ) راجع إلى الكتاب ؛ وقيل : راجع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وإن لم يتقدّم له ذكر ، لأن الله أخذ على اليهود والنصارى أن يبينوا نبوته للناس ولا يكتموها (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ). وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وأهل المدينة : «ليبيننه» بالياء التحتية ، وقرأ الباقون : بالمثناة الفوقية. وقرأ ابن عباس : وإذ أخذ الله ميثاق النبيّين ليبيّننّه ويشكل على هذه القراءة قوله : (فَنَبَذُوهُ) فلا بد من أن يكون فاعله الناس. وفي قراءة ابن مسعود : «لتبينونه». والنبذ : الطرح ، وقد تقدّم في البقرة. وقوله : (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) مبالغة في النبذ والطرح ، وقد تقدّم أيضا معنى قوله : (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) والضمير عائد إلى الكتاب الذي أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه. وقوله : (ثَمَناً قَلِيلاً) أي : حقيرا يسيرا من حطام الدنيا وأعراضها ، قوله : (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) ما : نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ، ويشترون : صفة ، والمخصوص بالذم : محذوف ، أي : بئس شيئا يشترونه بذلك الثمن. قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) قرأ الكوفيون : بالتاء الفوقية ، والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو لكل من يصلح له. وقوله : (بِما أَتَوْا) أي : بما فعلوا. وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي ، والظاهر شمولها لكل من حصل منه ما تضمنته عملا بعموم اللفظ ، وهو المعتبر دون خصوص السبب ، فمن فرح بما فعل ، وأحب أن يحمده الناس بما لم يفعل ، فلا تحسبنه بمفازة من العذاب. وقرأ نافع ، وابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمرو : «لا يحسبن» بالياء التحتية ، أي : لا يحسبن الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب ، فالمفعول الأوّل محذوف ، وهو فرحهم ، والمفعول الثاني : بمفازة من العذاب ، وقوله : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيد للفعل الأوّل على القراءتين ،