قاتلوا وقتل بعضهم ، كما قال امرؤ القيس :
فإن تقتلونا نقتّلكم
وقرأ عمر بن عبد العزيز : وقتلوا وقتلوا. ومعنى قوله : (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) أي : بسببه ، والسبيل : الدين الحق. والمراد هنا : ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله ، وعملهم بما شرعه الله لعباده. وقوله : (لَأُكَفِّرَنَ) جواب قسم محذوف. وقوله : (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ) مصدر مؤكد عند البصريين ، لأن معنى قوله : (لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ) لأثيبنّهم ثوابا ، أي : إثابة أو تثويبا كائنا من عند الله. وقال الكسائي : إنه منتصب على الحال. وقال الفراء على التفسير : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) أي : حسن الجزاء ، وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله ، من : ثاب ، يثوب : إذا رجع.
وقد أخرج سعيد بن منصور ، وعبد الرزاق ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني والحاكم ، وصححه عن أم سلمة قالت : يا رسول الله! لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ، فأنزل الله : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ) إلى آخر الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : «ما من عبد يقول يا ربّ! يا ربّ! يا ربّ! ثلاث مرات ، إلّا نظر الله إليه» فذكر للحسن فقال : أما تقرأ القرآن؟ (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً) إلى قوله : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ). وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت : آخر آية نزلت هذه الآية : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) إلى آخرها. وقد ورد في فضل الهجرة أحاديث كثيرة.
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠))
قوله : (لا يَغُرَّنَّكَ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم. والمراد : تثبيته على ما هو عليه ، [والمراد الأمة] (١) كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أو : خطاب لكل أحد ، وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين ؛ والمعنى : لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم ، فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار ثم مصيرهم إلى جهنم ، فقوله : (مَتاعٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه : (ثُمَّ مَأْواهُمْ) أي : ما يأوون إليه. والتقلب في البلاد : الاضطراب في الأسفار إلى الأمكنة ، ومثله قوله تعالى : (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) (٢) والمتاع : ما يعجل
__________________
(١). ما بين الحاصرتين مستدرك من تفسير القرطبي [٤ / ٣١٩].
(٢). غافر : ٤.