الانتفاع به ، وسماه : قليلا ، لأنه فان ، وكل فان وإن كان كثيرا فهو قليل. وقوله : (وَبِئْسَ الْمِهادُ) ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم ، أو : ما مهد الله لهم من النار ، فالمخصوص بالذم محذوف : وهو هذا المقدّر. قوله : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) هو استدراك مما تقدّمه ، لأن معناه النفي ، كأنه قال : ليس لهم في تقلبهم في البلاد كثير انتفاع : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا) لهم الانتفاع الكثير ، والخلد الدائم. وقرأ يزيد ابن القعقاع : لكنّ ، بتشديد النون. قوله : (نُزُلاً) مصدر مؤكد عن البصريين كما تقدّم في (ثَواباً) وعند الكسائي والفراء مثل ما قالا في : ثوابا ، والنزل : ما يهيأ للنزيل ، والجمع أنزال ، قال الهروي : (نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : ثوابا من عند الله (وَما عِنْدَ اللهِ) مما أعدّه لمن أطاعه (خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) مما يحصل للكفار من الربح في الأسفار ، فإنه متاع قليل ، عن قريب يزول. قوله : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) هذه الجملة سيقت لبيان أن بعض أهل الكتاب لهم حظّ من الدين ، وليسوا كسائرهم في فضائحهم التي حكاها الله عنهم فيما سبق ، وفيما سيأتي ، فإن هذا البعض يجمعون بين الإيمان بالله وبما أنزل الله على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وما أنزله على أنبيائهم حال كونهم : (خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ) أي : يستبدلون (بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) بالتحريف والتبديل ، كما يفعله سائرهم ، بل يحكون كتب الله سبحانه كما هي ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى هذه الطائفة الصالحة من أهل الكتاب ، من حيث اتصافهم بهذه الصفات الحميدة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) الذي وعد الله سبحانه به بقوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) وتقديم الخبر يفيد اختصاص ذلك الأجر بهم. وقوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في محل نصب على الحال. قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) إلخ. هذه الآية العاشرة من قوله سبحانه : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) ختم بها هذه السورة لما اشتملت عليه من الوصايا التي جمعت خير الدنيا والآخرة ، فحض على الصبر على الطاعات والشهوات ، والصبر : الحبس ، وقد تقدم تحقيق معناه. والمصابرة مصابرة الأعداء ، قاله الجمهور ، أي : غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب ، وخص المصابرة بالذكر بعد أن ذكر الصبر : لكونها أشدّ منه وأشقّ. وقيل : المعنى صابروا على الصلوات ، وقيل : صابروا الأنفس عن شهواتها ؛ وقيل : صابروا الوعد الذي وعدتم ولا تيأسوا ، والقول الأول هو المعنى العربي ، ومنه قول عنترة :
فلم أر حيّا صابروا مثل صبرنا |
|
ولا كافحوا مثل الذين نكافح |
أي : صابروا العدوّ في الحرب. قوله : (وَرابِطُوا) أي : أقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها ، كما يربطها أعداؤكم ، هذا قول جمهور المفسرين. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم غزو يرابط فيه ، وسيأتي ذكر من خرج عنه هذا ، والرباط اللغوي هو الأوّل ، ولا ينافيه تسميته صلىاللهعليهوسلم لغيره رباطا كما سيأتي. ويمكن إطلاق الرباط على المعنى الأول ، وعلى انتظار الصلاة. قال الخليل : الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة ، هكذا قال : وهو من أئمة اللغة. وحكى ابن فارس عن الشيباني أنه قال : يقال : ماء مترابط : دائم لا يبرح ، وهو يقتضي تعدية الرباط إلى غير ارتباط الخيل في الثغور. قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) فلا تخالفوا ما شرعه لكم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي :