السين ؛ والمعنى : يسأل بعضكم بعضا بالله والرحم ، فإنهم كانوا يقرنون بينهما في السؤال والمناشدة ، فيقولون : أسألك بالله والرحم ، وأنشدك الله والرحم ، وقرأ النخعي ، وقتادة ، والأعمش ، وحمزة : (وَالْأَرْحامَ) بالجر. وقرأ الباقون بالنصب.
وقد اختلف أئمة النحو في توجيه قراءة الجر ، فأما البصريون فقالوا : هي لحن لا تجوز القراءة بها. وأما الكوفيون فقالوا : هي قراءة قبيحة. قال سيبويه في توجيه هذا القبح : إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين ، والتنوين لا يعطف عليه. وقال الزجاج وجماعة : بقبح عطف الاسم الظاهر على المضمر في الخفض إلا بإعادة الخافض كقوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) وجوز سيبويه ذلك في ضرورة الشعر ، وأنشد :
فاليوم قرّبت تهجونا وتمدحنا (١) |
|
فاذهب فما بك والأيّام من عجب |
ومثله قول الآخر :
نعلّق في مثل السّواري سيوفنا |
|
وما بينها والكعب مهوى (٢) نفانف |
بعطف الكعب على الضمير في بينها. وحكى أبو علي الفارسي أن المبرد قال : لو صليت خلف إمام يقرأ (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) بالجر ، لأخذت نعلي ومضيت. وقد ردّ الإمام أبو نصر القشيري ما قاله القادحون في قراءة الجرّ فقال : ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين ، لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلىاللهعليهوسلم تواترا ، ولا يخفى عليك أن دعوى التواتر باطلة يعرف ذلك من يعرف الأسانيد التي رووها بها ، ولكن ينبغي أن يحتج للجواز بورود ذلك في أشعار العرب كما تقدم ، وكما في قول بعضهم :
فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد
وقول الآخر :
وقد رام آفاق السّماء فلم يجد |
|
له مصعدا فيها ولا الأرض مقعدا |
وقول الآخر :
ما إن بها والأمور من تلف (٣)
وقول الآخر :
أكرّ على الكتيبة لست أدري |
|
أحتفي كان فيها أم سواها |
فسواها : في موضع جرّ عطفا على الضمير في فيها ، ومنه قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ
__________________
(١). في القرطبي (٥ / ٣) : وتشتمنا.
(٢). المهوى والمهواة : ما بين الجبلين ونحو ذلك. والنفانف : الهواء ، وقيل : الهواء بين الشيئين ، وكل شيء بينه وبين الأرض مهوى فهو نفنف.
(٣). وعجزه : ما حمّ من أمر غيبه وقعا.