قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أي : ذلك أقرب إلى ألا تعولوا ، أي : تجوروا ، من : عال الرجل ، يعول : إذا مال وجار ، ومنه قولهم : عال السهم عن الهدف : مال عنه ، وعال الميزان : إذا مال ، ومنه :
قالوا اتّبعنا رسول الله واطّرحوا |
|
قول الرّسول وعالوا في الموازين |
ومنه قول أبي طالب :
بميزان صدق لا يغلّ شعيرة |
|
له شاهد من نفسه غير عائل |
ومنه أيضا :
فنحن ثلاثة وثلاث ذود (١) |
|
لقد عال الزّمان على عيال |
والمعنى : إن خفتم عدم العدل بين الزوجات ؛ فهذه التي أمرتم بها أقرب إلى عدم الجور ، ويقال : عال الرجل ، يعيل : إذا افتقر وصار عالة ، ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) (٢) ، ومنه قول الشاعر :
وما يدري الفقير متى غناه |
|
وما يدري الغنيّ متى يعيل |
وقال الشافعي : (أَلَّا تَعُولُوا) ألا تكثر عيالكم. قال الثعلبي : وما قال هذا غيره ، وإنما يقال : أعال يعيل : إذا كثر عياله. وذكر ابن العربي : أن : عال ؛ تأتي لسبعة معان : الأوّل : عال : مال. الثاني : زاد. الثالث : جار. الرابع : افتقر. الخامس : أثقل. السادس : قام بمئونة العيال ، ومنه : قوله صلىاللهعليهوسلم : «وابدأ بمن تعول». السابع : عال : غلب ، ومنه : عيل صبري ، قال : ويقال : أعال الرجل : كثر عياله. وأما : عال ، بمعنى كثر عياله ، فلا يصح ، ويجاب عن إنكار الثعلبي لما قاله الشافعي ، وكذلك إنكار ابن العربي لذلك : بأنه قد سبق الشافعي إلى القول به زيد بن أسلم ، وجابر بن زيد ، وهم إمامان من أئمة المسلمين ، لا يفسران القرآن هما والإمام الشافعي بما لا وجه له في العربية. وقد أخرج ذلك عنهما الدارقطني في سننه. وقد حكاه القرطبي عن الكسائي ، وأبي عمر الدوري ، وابن الأعرابي ، وقال أبو حاتم : كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا ، ولعله لغة. وقال الثعلبي : قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب : سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماما في اللغة غير مدافع ، فقال : هي لغة حمير ، وأنشد :
وإنّ الموت يأخذ كلّ حيّ |
|
بلا شكّ وإن أمشى وعالا |
أي : وإن كثرت ماشيته وعياله. وقرأ طلحة بن مصرف : أن لا تعيلوا قال ابن عطية : وقدح الزجاج في تأويل عال من العيال بأن الله سبحانه قد أباح كثرة السراري ، وفي ذلك تكثير العيال ، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثروا. وهذا القدح غير صحيح ، لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع ، وإنما
__________________
(١). في القرطبي (٥ / ٢١) :
ثلاثة أنفس وثلاث ذود ....
(٢). التوبة : ٢٨.