الأسلوب القرآنى وتأثيره :
أتى القرآن الكريم بأسلوب معجز ، متميز عن بقية الأساليب المألوفة فى وقته ؛ لأنه من الله ، فبهر الناس حينما سمعته ، وأسر منهم القلوب ، وسيطر على نفوسهم ، فاستجابت الأفئدة إليه ، ولم تنأ عنه إلا تلك القلوب المريضة التى قست كالحجارة ، فلم تستجب لدعوته ، ورصدت نفسها لمحاربته والوقوف أمام دعوته فى الهداية للحق ؛ حفاظا على ما لهم من سلطة ، ودفاعا عن تقاليدهم العفنة ، وعباداتهم الباطلة ، حاربوا القرآن بمحاربة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخذوا يكيلون إليه التهم الباطلة ، ويلفقون الأكاذيب ، ويمنعون الناس من الاستماع إليه ، ويعذبون من يتلو القرآن من صحابة رسول الله فى المسجد الحرام ، سلكوا هذه المسالك ؛ لأنهم عجزوا عن محاكاة القرآن ، أو الإتيان بمثل أقصر سورة فيه ، وتهاوت أسلحتهم العديدة أمام هذا الكلام المعجز بلفظه وعباراته ، وسبكه وصياغته ، وأخباره ونواهيه ... إلخ ، كل هذه الألوان المؤلفة من جنس ما يقولون ويؤلفون ، ولكنهم عاجزون أن يأتوا بمثله ، وهو الذى سمعته الجن ، فقالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) [الجن : ١ ، ٢].
وسمعه نفر من النصارى ، فخشعت له قلوبهم وقالوا ، كما عبر القرآن الكريم : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة : ٨٢ ، ٨٣].
وسمعه زعيم من زعماء قريش ، فقال : إنه يعلو ولا يعلى عليه. نطق بالشهادة الحق فى قرآن الله الذى كان له وقعة فى القلوب والنفوس ، فكان يقتلع منها عقيدة الشرك وهجمة الباطل.
وما لنا نذكر ذلك الموقف الذى كان له تأثيره فى مجرى الأحداث فى بدء الإسلام ، فأمد الإسلام بجبار الجاهلية عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه وأرضاه ، لقد دخل على أخته حينما سمع بإسلامها يريد أن يبطش بها ، وتناولت عيناه صحيفة القرآن ، فقرأ : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) [طه : ١ ـ ٦] ، فأخذته رجة عنيفة أصابت مكمن الحقيقة من نفسه ، وقلبه ، وعقله ، فقال : دلونى على محمد.