الكاتب أو الشاعر ، فسار به إلى هذا المنحى والأسلوب ، فما يصدر عنه من دعوى إلى التساهل فى اللغة ، وعدم الارتباط بقواعدها وقوانينها ، واستخدام العامية فى التعليم ، وعدم الحفظ والاهتمام بتعليم القرآن ، إنما هى أمور دفعت إليها ظروف تعليمهم وتربيتهم التى ربوا عليها وشجعتهم على خدمة أغراضها الاستعمارية التى كانت سائدة ، أو تحقيق مصالح فئوية أو طائفية لها ظروفها وأغراضها ، لذا لم تجد أمامها تلك التربة التى تحفظ لهم ما بذروا ، ولم تستجب لرجواتهم فى الإثمار لتلك الأفكار المدسوسة والخبيثة ، ما لبثت أن ماتت فى مهدها وظهرت أفكار طاهرة أخرى ربطت الماضى بالحاضر ، واستعلت على كل أزماتها واستغلت كل إمكاناتها فى الخبرات المتجددة ، والنور الذى أفاء الله به على عباده المخلصين فى استلهام نور الله ، وقرآنه فى خطوات الحياة التى يجب أن يحياها المسلم الآن.
إن تجربتنا فى حفظ القرآن الكريم فى مرحلة الطفولة ، تجربة دفعت إليها حكمة الآباء ، ورغبتهم فى تقويم الألسنة ، وإصلاح الأخلاق ، والتهيئة لاستقبال أمور الحياة بسلاح قوى.
وكان الخطباء أصدقاء للمنابر ، يعتلون منصتها ، ويتدفقون كالسيل المنهمر فصاحة وأسلوبا مما يعد أنموذجا رائعا للبيان العربى القويم الذى طبع بالطابع القرآنى استشهادا وتمثلا واقتباسا.
وبهذا الطريق وحده حفظت بلادنا من محو شخصيتها الإسلامية العربية تحت تأثير الألوان من الاستعمار التى جثمت على صدورنا فترة طويلة من الزمن ، الاستعمار الثقافى بتأثيره وسحره فى النفوس والعقول ، والاستعمار السياسى والاقتصادى بجبروته وسطوته التى هيمنت على مختلف شئوننا الاقتصادية والعسكرية.
وإننا إذا نظرنا إلى واقع بلاد عربية أخرى تعرضت لظروف مماثلة لما تعرضنا له فى إفريقيا ، رأينا أن الاستعمار الفرنسى استطاع أن يثبت أقدامه فترة طويلة من الزمن حتى كاد ينجح فى محو شخصية هذه البلاد التى تحكم فيها من جرّاء سيطرته أساسا على لغة البلاد ، وفرض لغته الفرنسية لغة حديث ، ومخاطبة ، وتعليم ، وتضاءلت بذلك الاهتمامات باللغة العربية ، وبالتالى حفظ القرآن الكريم ، مما مكن ذلك المستعمر من خلق أجيال غريبة اللسان واللهجة والثقافة ، وطبعت بعادات بعيدة كل البعد عن عادات وأخلاق المجتمعات العربية.