فقد نجد التشبيه يأخذ مكانه فى الأسلوب القرآنى ؛ لتتم عن طريقه المقارنة بين طرفين ، والموازنة بينهما ، فمثلا يقول الله تعالى فى كتابه العزيز : (وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [الواقعة : ٢٢ ، ٢٣] ، فقد تماثل المشبه وهو الحور العين ، مع المشبه به وهو اللؤلؤ المكنون ، فى صفة مشتركة هى الصفاء واللمعان ، عن طريق أداة التشبيه وهى الكاف ، أركان أربعة قام عليها أسلوب التشبيه ، وفيه انتقاله بالمشبه إلى مرتبة أعلى مما كانت له سابقا لم يكتسبها إلا عن هذا الطريق البيانى ، وقد يتدرج الأسلوب بحذف الأداة ، ووجه الشبه إلى ما يسمى بالتشبيه البليغ الذى يعطى قوة ومبالغة أكثر ، كأن المشبه هو عين المشبه به ، وهكذا تختلف الصورة من صياغة إلى صياغة ، فإذا حذف أحد الركنين الأساسيين ، المشبه أو المشبه به ، كان ذلك انتقالا إلى مبالغة أقوى ، واستخدام أكثر تأثيرا ، وهو ما يطلق عليه اسم الاستعارة ، تصريحية أو مكنية.
وقد تقوم المشابهة بين الطرفين على صفات مشتركة ، وأحوال متقاربة ، وهو ما يسمى بالتشبيه التمثيلى ، أو التشبيه المركب ، فتبدو الصورة كاملة التأثير بما ترسمه من كلمات تتوفر فيها عناصر اللون ، والحركة ، والصوت ، وتتجمع جميعها فى إبراز مكونات الحالة الأولى المتمثل لها المشبه بالحالة الثانية المتمثل بها المشبه به ، إلى تلك الصورة الرائعة بمكوناتها وتأثيراتها المختلفة التى تصدق عليها ، وعلى غيرها مما تنطبق عليه هذه الأحوال.
فإذا نظرنا إلى تلك الصورة الرائعة فى قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) [الجمعة : ٥] ، وجدنا أنها عرضت صورة لليهود الذين أعطوا التوراة ولم ينتفعوا بما فيها من هداية وتعاليم ، بحال الحمار الذى يحمل كتبا كثيرة نافعة فوق ظهره ، ولكنه لا يستفيد بها ، ولا ينتفع بشيء منها.
فالمشبه مركب من أجزاء : حامل ، وهم اليهود ، ومحمول نافع ، وهو التوراة ، وعدم انتفاع بالمحمول لانصرافهم عن العمل بما جاء فى التوراة التى حفظوها.
والمشبه به : مركب من أجزاء هى : حمار حامل ، محمول نافع ، وهو كتب العلم ، وعدم انتفاع الحمار بما يحمل ؛ لأنه لا يدرك ما فيه مع تحمل المشقة فى الحمل.
وكذلك إذا نظرنا إلى قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) [البقرة : ١٧] ، وجدنا أن