رأى الفقهاء فى الأمثال :
قال أبو عبد الله محمد بن علىّ الحكيم الترمذى (١) : ضرب الله الأمثال لمن غاب عن الأشياء ، وخفيت عنه الأشياء ، فالعباد محتاجون إلى ضرب الأمثال لما خفيت عليهم الأشياء ، فضرب لهم مثلا من عند أنفسهم لا من عند نفسه ؛ ليدركوا ما غاب عنهم ، فأما من لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء ، فلا يحتاج إلى الأمثال.
ويقول صاحب تفسير المنار (ج ١) : يضرب الله المثل فى كلامه تعالى ؛ لأنه ليس نقصا فى حد ذاته ، وليس نقصا فى جانبه ، وإنما هو حق ؛ لأنه مبين للحق ، ومقرر له ، وسائق إلى الأخذ به بما له من التأثير فى النفس.
وذلك أن المعانى الكلية تعرض مجملة مبهمة ، فيصعب على الذهن الإلمام بها ، واستخراج سرها ، والمثل هو الذى يفصل المجمل ، ويوضح المبهم ، فهو ميزان البلاغة.
الهدف من ضرب الأمثال :
يضرب الله الأمثال لنفوس العباد ، حتى يدركوا ما غاب عن أسماعهم وأبصارهم الظاهرة بما عاينوا (٢).
وتساق أساليب الأمثال فى صورة من الإعجاز البيانى لأولى الألباب ، حتى تكون صمام أمان من عذاب الله الذى أعده للكافرين ، وتبرز تلك المعانى المجردة فى صورة محسوسة ، أو الأشياء المتخلية أو المتوهمة فى صورة متحققة أو متيقنة من التمثيل الحركى أو القولى ، حتى يكون لذلك صداه فى نفس المتلقى أو المشاهد ، فينطبع فى ذاكرته ، ويصل إلى قرار فؤاده ، فلا يمحى على مر الأيام.
كانت الكتب السماوية معرضا للأمثال التى تساق للتأثير فى النفوس والقلوب ، حتى أن الإنجيل أفرد سورة كاملة من سوره تسمى سورة الأمثال ، وأكثر منها الأنبياء والرسل والحكماء ، كما أكثر من ذكرها القرآن الكريم فى كثير من الآيات ، حتى وصلت إلى بضعة عشر موضعا ، يضرب فيها الأمثال بيانا للناس وتذكيرا ، وهو الحق وأحسن تفسيرا ، وأمثال الكفار فى ضلال وبهتان (٣).
واستخدمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى كثير من المواطن للإيضاح والتعليم ، أخرج البيهقى ،
__________________
(١) من علماء القرن الثالث الهجرى. انظر : (ص ٢) من كتاب الأمثال فى الكتاب والسنة.
(٢) انظر : كتاب الأمثال للترمذى.
(٣) انظر : الأمثال فى النثر العربى.