بهم ولا تحزن واصبر كما صبروا على ما كذبوا به وأوذوا حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم فإنا لا نخلف الميعاد و (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) (١) (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٢) (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ـ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ـ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (٣) (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (٤) ، (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) بل وعده كائن ، وأنت منصور على المكذبين ، ظاهر عليهم. وقد كان ذلك ولله الحمد (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) ما جاءك من تجرّي قومهم عليهم في الابتداء وتكذيبهم لهم ثم نصرهم عليهم في الانتهاء ، وأنت ستكون عاقبة هؤلاء المكذبين لك كعاقبة المكذبين للرسل ، فيرجعون إليك ، ويدخلون في الدين الذي تدعوهم إليه طوعا أو كرها. قوله : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) كان النّبي صلىاللهعليهوسلم يكبر عليه إعراض قومه ويتعاظمه ويحزن له فبين له الله سبحانه أن هذا الذي وقع منهم من توليهم عن الإجابة له ، والإعراض عما دعا إليه هو كائن لا محالة ، لما سبق في علم الله عزوجل ، وليس في استطاعته وقدرته إصلاحهم وإجابتهم قبل أن يأذن الله بذلك ، ثم علق ذلك بما هو محال ، فقال : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) فتأتيهم بآية منه (أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) منها فافعل ، ولكنك لا تستطيع ذلك ، فدع الحزن (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٥) ، و (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٦) والنفق : السّرب والمنفذ ، ومنه النّافقاء لجحر اليربوع ، ومنه المنافق. وقد تقدّم في البقرة ما يغني عن الإعادة. والسلم : الدرج الذي يرتقى عليه ، وهو مذكر لا يؤنث ، وقال الفراء : إنه يؤنث. قال الزجاج : وهو مشتق من السلامة ، لأنه يسلك به إلى موضع الأمن ، وقيل : إن الخطاب وإن كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فالمراد به أمته ، لأنها كانت تضيق صدورهم بتمرّد الكفرة وتصميمهم على كفرهم ، ولا يشعرون أن لله سبحانه في ذلك حكمة لا تبلغها العقول ولا تدركها الأفهام ، فإن الله سبحانه لو جاء لرسوله صلىاللهعليهوسلم بآية تضطرهم إلى الإيمان لم يبق للتكليف الذي هو الابتلاء والامتحان معنى ، ولهذا قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) جمع إلجاء وقسر ، ولكنه لم يشأ ذلك ، ولله الحكمة البالغة (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) فإنّ شدّة الحرص والحزن لإعراض الكفار عن الإجابة قبل أن يأذن الله بذلك هو صنيع أهل الجهل ولست منهم ، فدع الأمور مفوّضة إلى عالم الغيب والشهادة فهو أعلم بما فيه المصلحة ، ولا تحزن لعدم حصول ما يطلبونه من الآيات التي لو بدا لهم بعضها لكان إيمانهم بها اضطرارا (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) أي إنما يستجيب لك إلى ما تدعو إليه الذين يسمعون سماع تفهم بما تقتضيه العقول وتوجبه الأفهام ، وهؤلاء ليسوا كذلك ، بل هم بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ولا يعقلون لما جعلنا على قلوبهم من الأكنة وفي آذانهم من الوقر ، ولهذا قال : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) شبههم بالأموات بجامع أنهم جميعا لا يفهمون الصواب ولا يعقلون الحق : أي أن هؤلاء لا يلجئهم الله إلى الإيمان وإن كان قادرا على ذلك ، كما يقدر على بعثه الموتى للحساب (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) إلى الجزاء فيجازي كلا بما يليق به كما تقتضيه حكمته البالغة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (قالُوا يا حَسْرَتَنا) قال : الحسرة الندامة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال :
__________________
(١). الرعد : ٣٨.
(٢). غافر : ٥١.
(٣). الصافات : ١٧١ ـ ١٧٣.
(٤). المجادلة : ٢١.
(٥). فاطر : ٨.
(٦). الغاشية : ٢٢.