سورة الأنفال
صرّح كثير من المفسرين بأنها مدنية ، ولم يستثنوا منها شيئا ، وبه قال الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء. وقد روي مثل هذا عن ابن عباس ، أخرجه النحّاس في ناسخه ، وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال : سورة الأنفال نزلت بالمدينة. وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير ، وأخرجه ابن مردويه أيضا عن زيد بن ثابت. وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت في بدر. وفي لفظ تلك سورة بدر. قال القرطبي : قال ابن عباس هي مدنية إلا سبع آيات من قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى آخر سبع آيات ، وجملة آيات هذه السورة ست وسبعون آية ، وقد كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقرأ بها في صلاة المغرب ، كما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب. وأخرج أيضا عن زيد بن ثابت عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه كان يقرأ في الركعتين من المغرب بسورة الأنفال.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١))
الأنفال : جمع نفل محرّكا ، وهو : الغنيمة ، ومنه قول عنترة :
إنّا إذا احمرّ الوغى نروي القنا |
|
ونعفّ عند مقاسم الأنفال |
أي : الغنائم ، وأصل النفل : الزيادة ، وسميت الغنيمة به لأنها زيادة فيما أحلّ الله لهذه الأمة مما كان محرما على غيرهم ، أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهد من أجر الجهاد ، ويطلق النفل على معان أخر منها : اليمين ، والانتفاء ، ونبت معروف. والنافلة التطوّع لكونها زائدة على الواجب. والنافلة : ولد الولد ، لأنه زيادة على الولد وكان سبب نزول الآية : اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر كما سيأتي بيانه فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول ، فقال : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي حكمها مختص بهما يقسمها بينكم رسول الله عن أمر الله سبحانه وليس لكم حكم في ذلك.
وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء حتى نزل قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ). ثم أمرهم بالتقوى ، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما ، وترك الاختلاف الذي وقع بينهم ، ثم قال : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : امتثلوا هذه الأوامر الثلاثة إن كنتم مؤمنين بالله ، وفيه من التهييج والإلهاب ما لا يخفى ، مع