فرح بطر وأشر وأعجبوا بذلك وظنوا أنهم إنما أعطوه لكون كفرهم الذي هم عليه حقا وصوابا (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) أي فجأة وهم غير مترقبين لذلك. والبغتة : الأخذ على غرّة من غير تقدمة أمارة ، وهي مصدر في موضع الحال لا يقاس عليها عند سيبويه. قوله : (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) المبلس : الحزين الآيس من الخير لشدّة ما نزل به من سوء الحال ، ومن ذلك اشتق اسم إبليس ، يقال : أبلس الرجل إذا سكت ، وأبلست الناقة إذا لم ترع. قال العجاج :
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا |
|
قال نعم أعرفه وأبلسا (١) |
أي تحيّر لهول ما رأى ، والمعنى : فإذا هم محزونون متحيّرون آيسون من الفرح. قوله : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) الدابر : الآخر ، يقال : دبر القوم يدبرهم دبرا : إذا كان آخرهم في المجيء ، والمعنى : أنه قطع آخرهم : أي استؤصلوا جميعا حتى آخرهم. قال قطرب : يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا. قال أمية ابن أبي الصلت :
فأهلكوا بعذاب حصّ دابرهم |
|
فما استطاعوا له صرفا ولا انتصروا |
ومنه التّدبير لأنه إحكام عواقب الأمور. قوله : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي على هلاكهم ، وفيه تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه سبحانه عند نزول النعم التي من أجلها هلاك الظلمة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فإنهم أشدّ على عباد الله من كل شديد ، اللهم أرح عبادك المؤمنين من ظلم الظالمين ، واقطع دابرهم وأبدلهم بالعدل الشامل لهم.
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) قال : خوف السلطان وغلاء السعر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) قال : يعني تركوا ما ذكروا به. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) قال : ما دعاهم الله إليه ورسله ؛ أبوه وردّوه عليهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) قال : رخاء الدنيا ويسرها. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا) قال : من الرزق (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) قال : مهلكون ، متغير حالهم (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) يقول : فقطع أصل الذين ظلموا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن النضر الحارثي في قوله : (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) قال : أمهلوا عشرين سنة ، ولا يخفى أن هذا مخالف لمعنى البغتة لغة ، ومحتاج
__________________
(١). «المكرس» : الذي صار فيه الكرس ، والكرس : أبوال الإبل وأبعارها يتلبّد بعضها على بعض في الدار والدمن.
«أبلس» : سكت غمّا.