يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) له ، يعاقبه بسبب ما وقع منه من الشقاق. قوله : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) الإشارة إلى ما تقدّم من العقاب ، أو الخطاب هنا للكافرين ، كما أن الخطاب في قوله : (ذلِكُمْ) للنبي صلىاللهعليهوسلم أو لكل من يصلح للخطاب. قال الزجاج : ذلكم : رفع بإضمار الأمر أو القصة ، أي : الأمر أو القصة ذلكم فذوقوه. قال : ويجوز أن يضمر واعلموا. قال في الكشاف : ويجوز أن يكون نصبا على : عليكم ذلكم فذوقوه ، كقولك زيدا فاضربه. قال أبو حيان : لا يجوز تقدير عليكم ، لأنه اسم فعل ، وأسماء الأفعال لا تضمر ، وتشبيهه : بزيدا فاضربه ، غير صحيح لأنه لم يقدّر فيه : عليك ، بل هو من باب الاشتغال ، وجملة (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) معطوفة على ما قبلها ، فتكون الإشارة على هذا : إلى العقاب العاجل الذي أصيبوا به ويكون (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) : إشارة إلى العقاب الآجل.
وقد أخرج أبو يعلى ، والبيهقي في الدلائل ، عن عليّ قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلّا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلّي تحت شجرة حتى أصبح. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال : بلغنا أن هذه الآية أنزلت في المؤمنين يوم بدر ، فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (أَمَنَةً مِنْهُ) قال : أمنا من الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (أَمَنَةً مِنْهُ) قال : رحمة منه ، أمنة من العدو. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : النعاس في الرأس ، والنوم في القلب. وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا قال : كان النعاس أمنة من الله ، وكان النّعاس نعاسين : نعاس يوم بدر ، ونعاس يوم أحد. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب في قوله : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) قال : طش (١) كان يوم بدر. وأخرج هؤلاء عن مجاهد في الآية قال : المطر أنزله الله عليهم قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار ، والتبدت به الأرض ، وطابت به أنفسهم ، وثبتت به أقدامهم. وأخرج ابن أبي حاتم وابن إسحاق عن عروة بن الزبير قال : بعث الله السّماء وكان الوادي دهسا ، وأصاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير ، وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : إن المشركين غلبوا المسلمين في أوّل أمرهم على الماء ، فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين ، فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن وقال أتزعمون أن فيكم نبيا وأنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء ، فشرب المسلمون وتطهروا ، وثبتت أقدامهم ، وذهبت وسوسته. وقد قدّمنا المشهور في كتب السير المعتمدة أن المشركين لم يغلبوا المؤمنين على الماء بل المؤمنون هم الذين غلبوا عليه من الابتداء ، وهذا المرويّ عن ابن عباس في إسناده العوفي ، وهو ضعيف جدا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
__________________
(١). قال في القاموس : الطّشّ والطّشيش : المطر الضعيف وهو فوق الرذاذ.