بِهِ) ليرفع عنكم الأحداث (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) أي : وسوسته لكم ، بما كان قد سبق إلى قلوبهم من الخواطر التي هي منه ، من الخوف والفشل ، حتى كانت حالهم حال من يساق إلى الموت (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) فيجعلها صابرة قوية ثابتة في مواطن الحرب ، والضمير في (بِهِ) من قوله : (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) راجع إلى الماء الذي أنزله الله ، أي : يثبت بهذا الماء الذي أنزله عليكم عند الحاجة إليه أقدامكم في مواطن القتال ؛ وقيل : الضمير راجع إلى الرابط المدلول عليه بالفعل. قوله : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) الظرف منصوب بفعل محذوف خاص بالنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه لا يقف على ذلك سواه ، أي : واذكر يا محمد وقت إيحاء ربك إلى الملائكة ؛ وقيل : هو بدل من (إِذْ يَعِدُكُمُ) كما تقدّم ، ولكنه يأبى ذلك أن هذا لا يقف عليه المسلمون فلا يكون من جملة النعم التي عدّدها الله عليهم ؛ وقيل : العامل فيه يثبت فيكون المعنى : يثبت الأقدام وقت الوحي وليس لهذا التقييد معنى ، وقيل : العامل فيه (لِيَرْبِطَ) ولا وجه لتقييد الربط على القلوب بوقت الإيحاء ، ومعنى الآية : أني معكم بالنصر والمعونة ، فعلى قراءة الفتح للهمزة هو مفعول (يُوحِي) وعلى قراءة الكسر يكون بتقدير القول. ومعنى (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) بشروهم بالنصر أو ثبتوهم على القتال بالحضور معهم ، وتكثير سوادهم ، وهذا أمر منه سبحانه للملائكة الذين أوحى إليهم بأنه معهم ، والفاء : لترتيب ما بعدها على ما قبلها. قوله : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) قد تقدّم بيان معنى إلقاء الرعب في آل عمران ، قيل : هذه الجملة تفسير لقوله : (أَنِّي مَعَكُمْ). قوله : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) قيل : المراد الأعناق أنفسها و (فَوْقَ) زائدة. قاله الأخفش وغيره. وقال محمد بن يزيد : هذا خطأ ، لأن فوق يفيد معنى فلا يجوز زيادتها ولكن المعنى أنه أبيح لهم ضرب الوجوه وما قرب منها ؛ وقيل المراد بما فوق الأعناق : الرؤوس ؛ وقيل : المراد بفوق الأعناق : أعاليها لأنها المفاصل الذي يكون الضرب فيها أسرع إلى القطع. قيل : وهذا أمر للملائكة ، وقيل : للمؤمنين ، وعلى الأوّل قيل : هو تفسير لقوله : (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا). قوله : (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) قال الزجّاج : واحد البنان بنانة ، وهي هنا الأصابع وغيرها من الأعضاء ، والبنان مشتق من قولهم : أبّن الرجل بالمكان : إذا أقام به ، لأنه يعمل بها ما يكون للإقامة والحياة ؛ وقيل : المراد بالبنان هنا : أطراف الأصابع من اليدين والرجلين ، وهو عبارة عن الثبات في الحرب ، فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال بخلاف سائر الأعضاء. قال عنترة :
وكان فتى الهيجاء يحمي ذمارها |
|
ويضرب عند الكرب كلّ بنان |
وقال عنترة أيضا :
وإنّ الموت طوع يدي إذا ما |
|
وصلت بنانها بالهندواني |
قال ابن فارس : البنان : الأصابع ، ويقال : الأطراف ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما وقع عليهم من القتل ، ودخل في قلوبهم من الرعب ، وهو مبتدأ ، و (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) خبره ، أي : ذلك بسبب مشاقتهم ، والشقاق أصله : أن يصير كل واحد من الخصمين في شق ، وقد تقدّم تحقيق ذلك (وَمَنْ