كانوا معنا وأما بعد ذلك فالله أعلم. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد (مُرْدِفِينَ) قال : بعضهم على أثر بعض.
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤))
قوله : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ) الظرف منصوب بفعل مقدّر كالذي قبله ، أو بدل ثان من إذ يعدكم ، أو منصوب بالنصر المذكور قبله ؛ وقيل غير ذلك مما لا وجه له ، و (يُغَشِّيكُمُ) هي قراءة نافع وأهل المدينة على أن الفاعل هو الله سبحانه ، وهذه القراءة هي المطابقة لما قبلها : أعني قوله : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ولما بعدها أعني (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ) فيتشاكل الكلام ويتناسب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو يغشاكم على أن الفاعل النعاس ، وقرأ الباقون (يُغَشِّيكُمُ) بفتح الغين وتشديد الشين ، وهي كقراءة نافع وأهل المدينة في إسناد الفعل إلى الله ، ونصب النعاس قال مكي : والاختيار ضم الياء والتشديد ، ونصب النعاس لأن بعده (أَمَنَةً مِنْهُ) والهاء في منه : لله فهو الذي يغشيهم النعاس ، ولأن الأكثر عليه ، وعلى القراءة الأولى والثالثة يكون انتصاب أمنة على أنها مفعول له. ولا يحتاج في ذلك إلى تأويل وتكلف ، لأن فاعل الفعل المعلل والعلة واحد بخلاف انتصابها على العلة ، باعتبار القراءة الثانية فإنه يحتاج إلى تكلف ، وأما على جعل الأمنة مصدرا فلا إشكال ، يقال أمن أمنة وأمنا وأمانا ، وهذه الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم ، وهي أنهم مع خوفهم من لقاء العدوّ ، والمهابة لجانبه سكن الله قلوبهم وأمنها حتى ناموا آمنين غير خائفين ، وكان هذا النوم في الليلة التي كان القتال في غدها. قيل : وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان : أحدهما : أنه قواهم بالاستراحة على القتال من الغد ، الثاني : أنه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم ؛ وقيل : إن النوم غشيهم في حال التقاء الصفين ، وقد مضى في يوم أحد نحو من هذا في سورة آل عمران. قوله : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) هذا المطر كان بعد النعاس ، وقيل : قبل النعاس. وحكى الزجّاج : أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر ، فنزلوا عليه وبقي المؤمنون لا ماء لهم ، فأنزل الله المطر ليلة بدر. والذي في سيرة ابن إسحاق وغيره أن المؤمنين هم الذين سبقوا إلى ماء بدر وأنه منع قريشا من السبق إلى الماء مطر عظيم ، ولم يصب المسلمين منه إلا ما شدّ لهم دهس الوادي (١) ، وأعانهم على المسير ، ومعنى (لِيُطَهِّرَكُمْ
__________________
(١). الدهس : الأرض يثقل فيها المشي للينها.