في الكلام على نمط واحد إلى طائفتين مختلفتين.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن مندة ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير أن أبا جهل قال حين التقى القوم : اللهم! أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة ، فكان ذلك استفتاحا منه فنزلت (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية قال : قال أبو جهل يوم بدر : اللهم انصر أهدى الفئتين ، وأفضل الفئتين ، وخير الفئتين ، فنزلت الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) يعني : المشركين ، أي : إن تستنصروا فقد جاءكم المدد. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) قال : كفار قريش في قولهم : ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه ، ففتح بينهم يوم بدر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) قال : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء في يوم بدر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله (وَإِنْ تَنْتَهُوا) قال : عن قتال محمد صلىاللهعليهوسلم (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) قال : إن تستفتحوا الثانية ، أفتح لمحمد (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) قال : مع محمد وأصحابه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) يقول : نعد لكم بالأسر والقتل.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣))
أمر الله سبحانه المؤمنين بطاعته ، وطاعة رسوله ، ونهاهم عن التولّي عن رسوله ، فالضّمير في (عَنْهُ) عائد إلى الرسول ، لأن طاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم هي من طاعة الله ، و (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ويحتمل أن يكون هذا الضمير راجعا إلى الله وإلى رسوله كما في قوله (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) وقيل : الضمير راجع إلى الأمر الذي دلّ عليه أطيعوا ، وأصل تولوا : تتولوا ، فطرحت إحدى التاءين ، هذا تفسير الآية على ظاهر الخطاب للمؤمنين ، وبه قال الجمهور ؛ وقيل : إنه خطاب للمنافقين ، والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم فقط. قال ابن عطية : وهذا وإن كان محتملا على بعد فهو ضعيف جدّا ، لأن الله وصف من خاطبه في هذه الآية بالإيمان وهو التصديق ، والمنافقون لا يتصفون من التصديق بشيء ، وأبعد من هذا من قال : الخطاب لبني إسرائيل ، فإنه أجنبيّ من الآية ، وجملة (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) في محل نصب على الحال ، والمعنى : وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم من الحجج والبراهين ، وتصدقون بها ولستم كالصمّ البكم (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) وهم المشركون ، أو المنافقون ، أو اليهود ، أو الجميع من هؤلاء ، فإنّهم يسمعون بآذانهم من غير فهم ولا عمل ، فهم كالذي لم يسمع أصلا ، لأنه لم ينتفع بما سمعه. ثم أخبر سبحانه بأنّ (شَرَّ