الدَّوَابِ) أي : ما دبّ على الأرض (عِنْدَ اللهِ) أي : في حكمه (الصُّمُّ الْبُكْمُ) أي : الذين لا يسمعون ، ولا ينطقون ، وصفوا بذلك مع كونهم ممن يسمع وينطق ، لعدم انتفاعهم بالسمع والنطق (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ما فيه النّفع لهم فيأتونه ، وما فيه الضّرر عليهم فيجتنبونه ، فهم شرّ الدوابّ عند الله ، لأنها تميز بعض تمييز ، وتفرق بين ما ينفعها ويضرّها (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ) أي : في هؤلاء الصمّ البكم (خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) سماعا ينتفعون به ، ويتعقلون عنده الحجج والبراهين. قال الزجاج (لَأَسْمَعَهُمْ) جواب كل ما سألوا عنه ؛ وقيل : (لَأَسْمَعَهُمْ) كلام الموتى الذين طلبوا إحياءهم ، لأنهم طلبوا إحياء قصيّ بن كلاب ، وغيره ليشهدوا بنبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) لأنه قد سبق في علمه أنهم لا يؤمنون وجملة (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) في محل نصب على الحال.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) قال : غاضبون. وأخرج ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ) الآية قال : إنّ هذه الآية نزلت في فلان وأصحاب له. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ) قال : هم نفر من قريش من بني عبد الدار. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله (الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) قال : لا يتبعون الحق. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : نزلت هذه الآية في النّضر بن الحارث وقومه ، ولعله المكنّى بعنه بفلان فيما تقدّم من قول عليّ رضي الله عنه. وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير في قوله (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) أي : لأنفذ لهم قولهم الذي قالوا بألسنتهم ، ولكنّ القلوب خالفت ذلك منهم. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال : قالوا نحن صمّ عما يدعونا إليه محمد لا نسمعه ، بكم لا نجيبه فيه بتصديق ، قتلوا جميعا بأحد ، وكانوا أصحاب اللواء يوم أحد.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥))
الأمر هنا بالاستجابة مؤكّد لما سبق من الأمر بالطاعة ، ووحد الضمير هنا حيث قال (إِذا دَعاكُمْ) كما وحده في قوله (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) وقد قدّمنا الكلام في وجه ذلك ، والاستجابة : الطاعة. قال أبو عبيدة معنى استجيبوا : أجيبوا ، وإن كان استجاب : يتعدّى باللام ، وأجاب : بنفسه كما في قوله : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) (١) ، وقد يتعدّى بنفسه كما في قول الشاعر (٢) :
__________________
(١). الأحقاف : ٣١.
(٢). هو كعب بن سعد الغنوي.