بين الحقّ والباطل ، والمعنى : أنه يجعل لهم من ثبات القلوب ، وثقوب البصائر ، وحسن الهداية ما يفرقون به بينهما عند الالتباس ؛ وقيل : الفرقان : المخرج من الشبهات ، والنجاة من كل ما يخافونه ، ومنه قول الشاعر :
مالك من طول الأسى فرقان |
|
بعد قطين رحلوا وبانوا |
ومنه قول الآخر :
وكيف أرجي الخلد والموت طالبي |
|
وما لي من كأس المنيّة فرقان |
وقال الفرّاء : المراد بالفرقان : الفتح والنصر. قال ابن إسحاق : الفرقان الفصل بين الحق والباطل ، وبمثله قال ابن زيد. وقال السديّ : الفرقان : النجاة ، ويؤيّد تفسير الفرقان بالمخرج والنجاة ، قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) وبه قال مجاهد ومالك بن أنس. (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : يسترها حتى تكون غير ظاهرة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (١) ما اقترفتم من الذنوب ؛ وقد قيل : إن المراد بالسيئات : الصغائر ، وبالذنوب التي تغفر : الكبائر ؛ وقيل : المعنى : أنه يغفر لهم ما تقدّم من الذنوب وما تأخر (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فهو المتفضل على عباده بتكفير السيئات ومغفرة الذنوب.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) قال : هو المخرج. وأخرج ابن جرير عنه قال : هو النجاة. وأخرج ابن جرير عن عكرمة مثله. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : هو النّصر.
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣))
قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الظرف معمول لفعل محذوف. أي : واذكر يا محمد وقت مكر الكافرين بك ، أو معطوف على ما تقدّم من قوله (وَاذْكُرُوا) ذكر الله رسوله هذه النعمة العظمى التي أنعم بها عليه ، وهي نجاته من مكر الكافرين وكيدهم ، كما سيأتي بيانه (لِيُثْبِتُوكَ) أي : يثبتوك بالجراحات كما قال ثعلب وأبو حاتم وغيرهما ، وعنه قول الشاعر :
فقلت ويحكما ما في صحيفتكم |
|
قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعا |
وقيل : المعنى ليحبسوك ، يقال : أثبته : إذا حبسه ؛ وقيل ليوثقوك ، ومنه : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) (٢). وقرأ الشّعبي «ليبيتوك» من البيات. وقرئ ليثبتوك بالتشديد (أَوْ يُخْرِجُوكَ) معطوف على ما قبله ، أي : يخرجوك من مكة التي هي بلدك وبلد أهلك. وجملة (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) مستأنفة ، والمكر :
__________________
(١). الطلاق : ٢.
(٢). محمد : ٤.