الدلائل عن ابن عباس في قوله (يَوْمَ الْفُرْقانِ) قال : هو يوم بدر ، فرق الله فيه بين الحق والباطل. وأخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال : كانت ليلة الفرقان ـ ليلة التقى الجمعان في صبيحتها ـ ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان ، وأخرج عنه ابن جرير أيضا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) قال : العدوة الدنيا شاطئ الوادي (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ). قال : أبو سفيان. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : العدوة الدنيا : شفير الوادي الأدنى ، والعدوة القصوى : شفير الوادي الأقصى.
(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤))
إذ منصوب بفعل مقدّر ، أي : اذكر أو هو بدل ثان من يوم الفرقان. والمعنى : أن النبي صلىاللهعليهوسلم رآهم في منامه قليلا ، فقصّ ذلك على أصحابه ، فكان ذلك سببا لثباتهم ، ولو رآهم في منامه كثيرا لفشلوا ، وجبنوا عن قتالهم ، وتنازعوا في الأمر ، هل يلاقونهم أم لا؟ (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أي : سلمهم وعصمهم من الفشل والتنازع فقللهم في عين رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام ؛ وقيل : عنى بالمنام : محل النوم ، وهو العين ، أي : فهو موضع منامك وهو عينك ، روى ذلك عن الحسن. قال الزجاج : هذا مذهب حسن ولكنّ الأوّل أسوغ في العربية لقوله (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) فدلّ بهذا على أن هذه رؤية الالتقاء ، وأن تلك رؤية النوم. قوله (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) الظرف منصوب بمضمر معطوف على الأوّل ، أي : واذكروا وقت إراءتكم إياهم حال كونهم قليلا ، حتى قال القائل من المسلمين لآخر : أتراهم سبعين؟ قال : هم نحو المائة ، وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى قال قائلهم : إنما هم أكلة جزور ، وكان هذا قبل القتال ، فلما شرعوا فيه كثر الله المسلمين في أعين المشركين ، كما قال في آل عمران : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) ، ووجه تقليل المسلمين في أعين المشركين ، هو أنهم إذا رأوهم قليلا أقدموا على القتال غير خائفين ، ثم يرونهم كثيرا فيفشلون ، وتكون الدائرة عليهم ، ويحلّ بهم عذاب الله ، وسوط عقابه ، واللام في (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) متعلقة بمحذوف كما سبق مثله قريبا ، وإنما كرره لاختلاف المعلل به (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) كلها يفعل فيها ما يريد ، ويقضي في شأنها ما يشاء.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) قال : أراه الله إياهم في منامه قليلا ، فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه بذلك فكان ذلك تثبيتا لهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) يقول : لجبنتم (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) قال : لاختلفتم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ)