فقال المشركون : وما هؤلاء؟ غرّ هؤلاء دينهم ، وإنما قالوا ذلك من قلّتهم في أعينهم وظنّوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك ، فقال الله (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن رفاعة بن رافع الأنصاري قال : لما رأى إبليس ما تفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه ، فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظنّ أنه سراقة بن مالك ، فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر ، ورفع يديه فقال : اللهم إني أسألك نظرتك إياي. وأخرج الواقدي وابن مردويه عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) قال : ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة ، فعلم عدوّ الله أنه لا يدان له بالملائكة ، وقال : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) وكذب عدوّ الله ، ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوّة له به ولا منعة له. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن معمر قال : ذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بن مالك بعد ذلك ، فأنكر أن يكون قال شيئا من ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) قال : وهم يومئذ في المسلمين. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال : هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي في قوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال : هم قوم كانوا أقرّوا بالإسلام وهم بمكة ثم خرجوا مع المشركين يوم بدر ، فلما رأوا المسلمين قالوا : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ). وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي نحوه.
(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤))
قوله : (وَلَوْ تَرى) الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو لكل من يصلح له ، كما تقدّم تحقيقه في غير موضع ، والمعنى : ولو رأيت ، لأن لو تقلب المضارع ماضيا ، و (إِذْ) ظرف لترى ، والمفعول محذوف ، أي : ولو ترى الكافرين وقت توفي الملائكة لهم ؛ قيل أراد بالذين كفروا : من لم يقتل يوم بدر ؛ وقيل هي فيمن قتل ببدر وجواب لو محذوف ، تقديره : لرأيت أمرا عظيما ، وجملة (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ) في محل نصب على الحال ، والمراد بأدبارهم : أستاههم ، كني عنها بالأدبار ، وقيل : ظهورهم ؛ قيل : هذا الضرب يكون عند الموت كما يفيده ذكر التوفّي ، وقيل : هو يوم القيامة حين يسيرون بهم إلى النار. قوله : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) قاله الفراء : المعني : ويقولون ذوقوا عذاب الحريق ، والجملة معطوفة على يضربون ؛ وقيل إنه يقول لهم هذه المقالة خزنة جهنم ، والذوق قد يكون محسوسا ، وقد يوضع موضع الابتلاء والاختبار ، وأصله من