وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) قال : الذين قتلهم الله ببدر من المشركين. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : قال رجل : يا رسول الله! إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك ، قال : ذلك ضرب الملائكة. وهذا مرسل. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (وَأَدْبارَهُمْ) قال : وأستاههم ، ولكنّ الله كريم يكني. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) قال : نعمة الله : محمد صلىاللهعليهوسلم أنعم الله به على قريش فكفروا ، فنقله الله إلى الأنصار.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠))
قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) أي : شرّ ما يدب على وجه الأرض (عِنْدَ اللهِ) أي : في حكمه (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : المصرّون على الكفر المتمادون في الضلال ، ولهذا قال : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي : إن هذا شأنهم لا يؤمنون أبدا ، ولا يرجعون عن الغواية أصلا ، وجعلهم شرّ الدوابّ ، لا شرّ الناس ، إيماء إلى انسلاخهم عن الإنسانية ودخولهم في جنس غير الناس من أنواع الحيوان ، لعدم تعقلهم لما فيه رشادهم. قوله : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) بدل من الذين كفروا ، أو عطف بيان ، أو في محل نصب على الذمّ. والمعنى : أن هؤلاء الكافرين الذين همّ شرّ الدوابّ عند الله هم هؤلاء الذين عاهدت منهم ، أي : أخذت منهم عهدهم (ثُمَ) هم (يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ) الذي عاهدتهم (فِي كُلِّ مَرَّةٍ) من مرّات المعاهدة (وَ) الحال أن (هُمْ لا يَتَّقُونَ) النقض ولا يخافون عاقبته ولا يتجنبون أسبابه ؛ وقيل : إن من في قوله (مِنْهُمْ) للتبعيض ، ومفعول عاهدت محذوف ، أي : الذين عاهدتهم ، وهم بعض أولئك الكفرة ، يعني : الأشراف منهم ، وعطف المستقبل ، وهو ثم ينقضون ، على الماضي ، وهو عاهدت للدلالة على استمرار النقض منهم ، وهؤلاء هم قريظة ، عاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن لا يعينوا الكفار ، فلم يفوا بذلك ، كما سيأتي ، ثم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالشدّة والغلظة عليهم ، فقال (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي : فإما تصادفنّهم في ثقاف (١) وتلقاهم في حالة تقدر عليهم فيها ، وتتمكن من غلبهم (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي : ففرّق
__________________
(١). قال القرطبي : تأسرهم وتجعلهم في ثقاف أو تلقاهم بحال ضعف.