بما يستدل به على قضائه وقدره ، فقال : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : القرآن (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي : منفعة اهتدائه مختصة به ، وضرر كفره مقصور عليه لا يتعدّاه ، وليس لله حاجة في شيء من ذلك ، ولا غرض يعود إليه (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي : بحفيظ يحفظ أموركم وتوكل إليه ، إنما أنا بشير ونذير. ثم أمره الله سبحانه أن يتبع ما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي التي يشرعها الله له ولأمته ثم أمره بالصبر على أذى الكفار ، وما يلاقيه من مشاقّ التبليغ ، وما يعانيه من تلوّن أخلاق المشركين وتعجرفهم ، وجعل ذلك الصبر ممتدا إلى غاية هي قوله : (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) أي : يحكم الله بينه وبينهم في الدنيا بالنصر له عليهم ، وفي الآخرة بعذابهم بالنار وهم يشاهدونه صلىاللهعليهوسلم ، هو وأمته ، والمتبعون له ، المؤمنون به ، والعاملون بما يأمرهم به ، المنتهون عما ينهاهم عنه ، يتقلبون في نعيم الجنة الذي لا ينفد ، ولا يمكن وصفه ، ولا يوقف على أدنى مزاياه.
وقد أخرج أبو الشيخ عن السدّي في قوله : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ) يقول : عند قوم (لا يُؤْمِنُونَ) نسخت قوله : حكمة بالغة فما تغني النّذر (١). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) قال : وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في الآية قال : خوّفهم عذابه ونقمته وعقوبته ، ثم أخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر نجى الله رسله والذين آمنوا ، فقال (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية. وأخرج أبو الشيخ عن السدّي في قوله (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) يقول : بعافية. وأخرج البيهقي في الشعب عن عامر بن قيس قال : ثلاث آيات في كتاب الله اكتفيت بهنّ عن جميع الخلائق : أولهنّ : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) ، والثانية : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ) (٢) ، والثالثة : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٣). وأخرج أبو الشيخ عن الحسن نحوه. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) قال : هو الحق المذكور في قوله : (قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله : (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) قال : هذا منسوخ ، أمره بجهادهم والغلظة عليهم.
* * *
__________________
(١). القمر : ٥.
(٢). فاطر : ٢.
(٣). هود : ٦.