منه صِدقُ العين والأَثر ، وأَضفتُ إِلى ذلكَ من بيان مجازات الكلام ، ومُصطلحات العلماءِ الأَعلام ، وأَمثال العربِ العَرْباءِ ، ونُفاثاتِ سُقاةِ الأَلبانِ والأَلْباءِ ، ما لا يَستغني عنه الفضلاءُ في مدارسهم ، والأُدباءُ في مجالسِهم ، والخُطباءُ في مقاماتِهِم ، والشُّعراءُ في كلماتِهِم ، وأَمليتُهُ حاوياً للفصيح ، والثَّابت الصَّحيح ، والآحادِ والمُتواترِ ، والشَّوارِدِ والنَّوادِرِ ، مُعتمِداً في النَّقلِ على الكتبِ المشهورةِ ، وأُمَّهاتِ الزُّبُرِ المأثورةِ ، مع الأَخذِ بالثِّقةِ في البيان والتَّعريف ، والتَّحرُّز في الضَّبط عن التَّصحيف والتَّحريف ، غير متَّكلٍ على النَّقلِ دونَ النَّقدِ ، إِلاَّ ما أَجمعَ عليه أَهلُ الحلِّ والعقد.
فإِنَّ هذه اللُّغة الشريفة الَّتي رفع اللهُ مِقدارَها ، وجعل على أَلسنة خِيَرَتِه من خلقِهِ مدارها ، لم تكن تؤخذُ إِلاَّ بالسّماعِ والتَّلقينِ ، أَو الرِّوايةِ الوافيَةِ بِبَلَجِ الحقِّ وثَلَجِ اليقينِ ، وعلى هذا جرَى السَّلفُ من العُلماءِ في سالفِ الدَّهرِ ، فَجَنَوا من رياضِها يانعَ الثَّمَرِ ونافح الزَّهْرِ ، وما كانوا ليتَّكلوا على ما في بطنِ صحيفةٍ ومتنِ مجلَّة ، ما لم يُشافِهوا به الجهابِذَ من المَشايخِ الجِلَّة ، ثُمَّ طُمِسَت آثارُ تلك الأَعلام ، وعمَّت سُبُلَ الهدى غاشيةُ الظَّلام ، وحارَ طرفُ الدَّليل ، وطاحَ صَوتُ الحادي ، وأَمسى الخرِّيتُ يُنادي : إِنَّهُ اللَّيلُ وأَضواجُ الوادي ؛ فلم يَبقَ إِلاَّ الرُّجوعُ الى ما أَودعَهُ العلماءُ في بطون الدَّفاتر ، والنُّهوضُ الى الاقتباس منها بعَزمٍ غيرِ فاترٍ ، وإِذ قد تعذَّرَ الاستفهامُ عندَ الاستبهامِ ، والحصولُ على الصواب ، بالسُّؤال والجواب.
فمن اللاَّزم للَّبيب الحازم ، أَن يَتَثَبَّت في المَداحِضِ والمزالِّ ، ويتعمَّقَ في المَيْز بَينَ الرَّاجح والزّالِّ ، وأَن لا يأمنَ غائلَةَ التَّعجيل ، بالمُبادَرَةِ إِلى الإِثباتِ والتَّسجيل ، حتّى يَتَقَصَّى في الاستِقراءِ ، لا سيِّما عند التَّصنيف والإِقراءِ ، فمن جَمَدَ على ما وجدَ في كتاب ، فقد اسْتُهدِفَ لَنْبل اللَّوم وسِهام العِتاب ، وكأَيِّن ممَّن صَنَّفَ وأَلَّف ، وكلّف نفسهُ من كُلفة الإِفادة ما كلَّف ، ما زاد على أَن ملأَ المزادَ ، بما