وما سِواهُ فهو مَظِنَّةٌ للاختِلاف وإِن كان لذي العلم أَثيراً ، بنصِّ : ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (١) ، والحقُّ أحقُّ بالاتِّباعِ ، ولا يَتَطاولُ عليه إِلاَّ قَصيرُ الباعِ ، فلا يَغُرَّنَّكَ مَن سَقَطَ به جهلُه وهَوَى ، وإِيَّاكَ والتَّمادي في أَضاليل الهَوَى.
وإِنِّي في تأليفي لهذا الكتابِ وتَصنيفهِ ، وتَقريطي للسَّمعِ بِدُرِّهِ وتشنيفِهِ ، لمُعتَرِفٌ حقّاً والصِّدقُ مَنجاةٌ ، بأَنَّ المُستَبضِعَ مُقِلٌّ والبِضاعَةُ مُزجَاةٌ ، غَيرَ أَنِّي أَرجو السّدادَ فيما اقتَطَفتُ واقتَطَعتُ ، ولا أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، ثمَّ لا بدعَ إِن بَرَّزَ النَّزْرُ على الجمِّ ، تَبْريزَ الرّامحِ على الأَجمِّ ، فللطَّشِّ مِنْ نَقْعِ العَطَشِ ما ليس لِليَمِّ الزَّاخرِ اللهَمِّ.
على أَنَّكَ أَيُّها الفَطِنُ الأَلمَعِيُّ ، واللَّقنُ اللَّوذَعيُّ ، إِذا وعَيتَ ما أَوعَبتُ (٢) ، وفَلَيت ما أَملَيتُ ، رأَيتَهُ قد حَوَى ما لم تحوِهِ البُحورُ المُحيطَةُ ، وخيطَت شَواكِلُه على ما خَلَت عنه المَهارِقُ البَسيطَةُ ؛ فالجَمهَرَةُ (٣) وإِن كانتِ البَحرَ الخِضَمَّ ، لم تَشتَمِل على ما اشتَمَلَ عليه وانضَمَّ ، والصِّحاحُ (٤) على صِحَّة رِوايتِهِ ، لم يحل ببَلاغَةِ مُعجِزِ آيَتِهِ ، والمُحكَمُ (٥) على إِحكام نُصوصِهِ ، لم يَنطَوِ على عُيونهِ
__________________
(١) النساء ٨٢.
(٢) في « ج » و « ش » : ما أوعيت.
(٣) لأبي بكر ، محمد بن الحسن بن دريد الأزديّ ولد بالبصرةِ سنة ٢٢٣ ه ، ونشأ بعمان ، من أكابر علماء اللغة توفي سنة ٣٢١ ه. انظر الفهرست ٩١ ، معجم الادباء ١٨ : ١٢٧ ، بغية الوعاة ١ : ٧٦.
(٤) لأبي نصر اسماعيل بن حماد الجوهريّ ، أخذ عن خاله أبي يعقوب الفارابيّ ، دخل العراق صغيراً وسافر الى الحجاز والبادية ، ثم عاد الى خراسان ، ولد سنة ٣٣٢ ه وتوفي في نيسابور ٣٩٣ ه انظر معجم الادباء ٦ : ١٥١ ، بغية الوعاة ١ : ٤٤٦ ، مقدمة الصحاح ١ : ١٠٩ ـ ١١٠.
(٥) لأبي الحسن علي بن اسماعيل بن سيده ، ولد بمرسية بالاندلس سنة ٣٩٨ ه ، وانتقل إلى دانية وتوفي بها سنة