إن قلت : لم قدم الوصف بالرحمن مع أنه أبلغ على الوصف بالرحيم فيلزم أن يكون تأكيدا للأقوى بالأضعف؟
فأجيب بوجهين : الأول : الرحمن لما كان خاصا بالله تعالى جرى مجرى الأسماء الأعلام التي للعوامل فقدم الرحيم ، قال : الثاني دال على جلائل النعم ، والرحيم على دقائقها قاله الزمخشري.
قال ابن عرفة : ولما كان يسبق لنا تقريره فإنهما مختلفان باعتبار أن المتعلق بالرحمن قسمان ؛ لأن الرحمة بالإنقاذ من الموت أشد من الرحمة بإزالة شوكة ، فقد يرحم الإنسان عدوه بالإنقاذ من الموت ، ولا تطيب نفسه أن يرحمه بإزالة شوكة تؤلمه في يده ، فبتقدير الرحمة الأولى لا يستلزم هذه بوجه.
قلت : وقدر ابن عرفة لنا في الجهة الثانية السؤال المتقدم بأن ثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص فيبدأ في الثبوت بالأعم ثم بالأخص ، وفي النفي على العكس.
ورحمن أخص من رحيم ، وقرر لنا جوابه بأن الرحمن دال على كثير من النعم بالمطابقة وعلى دقائقها بالالتزام ، ودلالة المطابقة أولى من دلالة الالتزام ، فذكر الرحيم بعده ليدل على دقيق النعم بالمطابقة.
وإليه أشار الزمخشري بقوله : والرحيم أثنى به كمال النعمة ليتناول ما دنى منها ونما ؛ ذكره الزمخشري في أن الرحمن أبلغ لكونه أكثر حروفا ، قال : وهو من الصفات الغالبة كالدبران والعيوق ، والصعق لم يستعمل في غير الله ، وأما قول بني حنيفة في مسيلمة الكذاب رحمان اليمامة ، وقول شاعرهم فيه :
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
فذاك من تعنتهم في كفرهم.
قال ابن عرفة : وهذا لا يحتاج إليه ، وكان يمشي لنا الجواب عنه بأن رحمانا ، في قولهم : رحمان اليمامة استعمل مضافا ، ورحمانا في البيت منكرا أو إما الرحمن المعرف بالألف واللام خاص بالله لم يستعمل في غيره فينتفي السؤال.