قوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ).
ولم يقل : أو تبدوها وتؤتوها الفقراء.
قال ابن عرفة : عادتهم يجيبون بأن إظهارها مظنة الكشف عن حال أخذها ، وكثرة السؤال عنه أو إخفاءها مظنة لعدم الكشف عن ذلك فإعطائها في العلانية يتوقف على علم المعطي وغيره بفقر آخذها فلا يقع إلا في يد فقير ؛ لأنه إما أن يسأل عن حاله ، أو يراه من يعلم أنه غني فينهاه عن الصدقة عليه ، وإعطاءها سواء متوقف على مجرد علم المعطي فقط بذلك فقد تقع في يد غني يظنه لمعطي فقيرا ؛ لأنه لا يسأل عن حاله ولا يطلع عليه من يعرف حاله فيخبره بحاله فلذلك قال في الثاني وتؤتوها الفقراء.
قوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
فلهم أجر ؛ لأن المراد اللائق بهم ، ولو قيل : فلهم أجورهم لكان مفهومه أن من فعل دون ذلك لا أجر له مع أنه يؤجر.
قال ابن عطية : ودخلت الفاء ؛ لأن الموصول وصل بالفعل ولم يدخل عليه عامل بغير معناه ، قال أبو حيان : وكذلك أيضا إذا كانت الصيغة ظرفا ، أو مجرورا ، وكذلك ذكر ابن عصفور في المعرب ، وشرح الإيضاح ، فإن قلت : أرق باب والمجرور على ، والتعليل عند الأصوليين بالصفة لا بالمحل ، فالجواب أن المحل ناب هنا مناب متعلقه ، وهو كائن أو مستقر الذي هو صفة ، ويقوى هنا حتى صار كأنه هو ، ولذلك لا يجوز الجمع بينهما ، قال أبو حيان : ومن شروط دخول الفاء أن يكون الخبر مستحقا بالصفة كهذه الآية ، فرد ابن عرفة : بأنه ما علم كونها سببا إلا بعد دخول الفاء لا قبلها فكونه مستحقا بالصلة فرع عن دخول الفاء ، فلا يصح أن يكون شرطا فيها وموجبا لها ، وأجيب : بأن هذا بالنسبة إلى السامع ، وكلامنا في دخول الفاء بالنسبة إلى قصد المتكلم ونيته ، وعادتهم يوردون على كلام أبي حيان بقوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) [سورة الشعراء : ٧٨] فإن نفس الخلق غير الموجب للهداية والإلزام منه مذهب المعتزلة القائلين بمراعاة الأصلح ، وعادتهم يجيبون بأن المراد الذي خلقني هذا الخلق الخاص على هذه الصفة ، وهي النبوة فهو يهدين ، وتقدم نظيره في قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [سورة البقرة : ١٦] وفي سورة قد أفلح : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) ابن عرفة : فإن قلت : ما الحكمة في دخول الفاء للذي أيتبين له ربهم ، والمعنى فيه ، وغير ما فيه الفاء واحد أو كذلك النفقة هنا ملتزمة لثبوت