الأجر لهم؟ قال : فعادتهم يجيبون بأن الخبر إذا كان ثابتا أو عطف عليه ما يتوهم نفيه ، وعدم ثبوته فلا بد من الفاء ، ولا شك أن خوفهم مما يتوهم نفيه فأتى بالفاء الدالة على كمال الارتباط ، وأن ذلك سبب في نفي الحزن والخوف عنهم ، قال : لفظ الرب هنا دال على أن هذا الثواب محق تفضل من الله تعالى ، كما تقول أهل السنة خلافا للمعتزلة ، وعادتهم يوردون سؤالا وهو لأي شيء نفى الحزن بالفعل ، والخوف بالاسم مع أن المناسب العكس ، لأن تعلق الحزن ماض والخوف مستقبل ، قال : عادتهم يجيبون بأن النكرة في سياق النفي نفيه [١٦/٧٦] العموم بإجماع ، والفعل في سياق النفي مختلف فيه هل تفيد العموم ، أم لا؟ والماضي محصور ؛ لأنه مشاهد مرئي فتعلقه غير متعدد ، والمستقبل متعلقاته متعددة ؛ لأنه غير محصور ، فالخوف منه يعظم لكثرة الخواطر التي تخطر ببال الإنسان فيه يخاف من كذا ويخاف من شيء هو في نفس الأمر آمن فيه ، فلذلك نفي الخوف بلفظ الاسم الدال على العموم بإجماع ، ونفي الحزن بالفعل المحتمل للعموم وعدمه ، قلت : ورد هذا بمعنى الإجماع ، لأن النكرة عند النحويين لا تعم إلا إذا كانت مبنية مع لا ، مثل : لا رجل بالفتح بلا تنوين ، ويجاب بأنها أعم من الفعل بلا شك.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ).
ابن عرفة : يحتمل أن يكون التشبيه بمن يتخبطه الشيطان حال يتخبطه ، ويحتمل أن يكون التشبيه بالمتخبط أثر تخبطه ، والظاهر العموم ؛ لأن الآكلين الربا متفاوتون في الأكل فالملزم منهم شبيه به بحالة التخبط ، والعلل شبيه به أثر التخبط.
قال ابن عرفة : ووجه مناسبتها لما قبلها أنها تقدمها إنفاق الصدقة ، والصدقة من غير عوض ، والربا في ظاهر الأمر زيادة من غير عوض ؛ لأنه يدفع قليلا في كثير ، وقرر الفخر المناسبة بأن الصدقة من المال والربا زيادة فيه ، فالنفوس تحبه وتكره الصدقة ، فجاءت الآية ردا عليهم وإشعارا بأن ذلك النقص زيادة ، وتلك الزيادة نقص.
قال الزمخشري : (مِنَ الْمَسِ) يتعلق بيقومون ، أو يقوم ، فرد عليهم أبو حيان : تعلقه بيقومون ؛ لأن قيامهم في الآخرة وليس فيها جنون ، ولا مس.
قال ابن عرفة : وفيه عندي نظر من وجه آخر ، وهو أنه يقول : ما أكل زيد إلا كالشيطان يأكل بشماله ، فهذه الحالة أخف من الأولى ، أو الأول ذم لأكله مطلقا ، وفي