الزمخشري : لم قال : (آثِمٌ قَلْبُهُ) فخصص الإثم بالقلب ، وهلا علقه بجميع الجسد؟ وأجاب بأربعة أوجه :
الأول : أنه تحقيق لوقوع الإثم ؛ لأن كتمان الشهادة من فعل القلب ، وإثمها مقترن بالقلب فلذلك أسند إليه.
الثاني : أن القلب أصل لحديث : " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب (١) ".
الثالث : أن القلب الأصلي واللسان ترجمان له.
الرابع : أفعال القلب أعظم من أفعال الجوارح وإثمه أعظم من إثمها.
قال ابن عرفة : ومنهم من كان يجيب بأن القلب يستوي فيه الفعل والترك وليس بينهما تفاوت ، إذ لا أثر للتردد فيه بالنسبة إلى الفعل بخلاف الجوارح ، فإن الفعل يمتاز عن الترك ، بلا بديهة وكتمان الشهادة ترك فلو أسنده للجوارح لما حسن ترتب الإثم عليه ، فلذلك أسنده للقلب الذي هما فيه مستويان.
قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
احتجوا بها على أن أعمال العباد مخلوقة لله ؛ لأنها مما في السموات وما في الأرض ، واحتجوا بها على أن السماء بسيطة إذ لو كانت لكانت الأرض مما فيها ، ولم يكن لقوله : (وَما فِي الْأَرْضِ) فائدة ، وأجيب بأن ذكرها في المطابقة أولى من ذكرها بالتضمن والإلزام ؛ لأنها مشاهدة مرئية ، ومذهب المتأخرين أنها كروية ، قال الغزالي في النهاية : ولا ينبغي على ذلك كفر ولا إيمان.
قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ).
من إقامة المسبب مقام سببه ؛ لأن المحاسبة عليها مسببة عن العلم به ، أي يعلمه فيحاسبكم عليه ، وما في النفس إن كان وسوسة وترددا من غير جزم فلا خلاف في عدم المؤاخذة به ، وإن كان على سبيل الجزم والمواطئة عليه ، فإما أن يكون له أثر في الخارج أم لا ، فإن كان قاصرا على النفس ولا أثر له في الخارج كالإيمان والكفر فلا خلاف في المؤاخذة ، وإن كان له اثر في الخارج [١٧/٧٩] فأجيز بأثره فلا خلاف في المؤاخذة به كمن يعزم على السرقة ويسرق ، أو على القتل ويقتل ، وإن عزم عليه
__________________
(١) أخرجه أبو عوانة الإسفرائيني في مسنده : ٤٣٥٧