في نفسه ورجع عن فعله في الخارج فإن كان اختيار الغير مانع فلا خلاف في عدم المؤاخذة به ، بل ذكروا أنه يوحي على ذلك في بعض طرق الحديث ، أنه تركها موجزا يشترط ، وإن رجع عنه لمانع منه ففي المؤاخذة به قولان هذا محصول ما ذكر فيه القاضي في الإكمال في حديث : " إذا هم العبد بسيئه فلم يعملها" الحديث ، ذكره مسلم في كتاب الإيمان.
ابن عرفة : والكفر خارج من هذا ، لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء : ١١٦] وحكى ابن عطية ، عن ابن عباس ، وجماعة : أنها لما نزلت ، قال الصحابة : هلكنا إن حوسبنا بخواطرنا ، فأنزل الله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً) فصح النسخ ، ونسبه الآية حينئذ ، وقوله تعالى : في الأنفال : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ثم نسخت بصير المائة للمائتين.
ابن عرفة : آية الأنفال ليس فيها إلا النسخ ؛ لأنه رفع كل الحكم وانتفاء هذه يحتمل النسخ والتخصيص ، كما قال بعضهم.
ابن عرفة : ونظير الآية ما خرج مسلم في صحيحة في كتاب الإيمان ، ومن عليه ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) شق ذلك على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : أينا لا يظلم نفسه؟! ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : " ليسوا هو كما تظنون ، وإنما هو كما قال لقمان لابنه (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [سورة لقمان : ١٣] " قال ابن عرفة : وذكروا الفقهاء الخلاف إذا شهد شاهدان لرجل بشيء بظروف في شيء وماتا أو غابا هل له الظرف أم لا؟ قالوا : إن كان الظرف من ضرورياته لا يمكن أن يجعل إلا فيه كالزيت ، والخل ، فهو له بما فيه باتفاق ، وإن لم يكن من ضرورياته كحمية في صندوق ، أو منديل ففي لزوم ظرفه قولان بخلاف زيت في جره وجهة وبطانتها ، وحاتم رفضه في بمعنى يقبل قوله.
ابن عرفة : والآية حجة لمن يقول شهادتهما بالمظروف يستلزم الظرف ، لأن كون و (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يستلزم أن السموات أنفسها له.
ابن عرفة : والآية أيضا حجة لمن يقول : إن الطلاق بالنية لا يلزم عندنا وفيه المشهور ، أنه غير لازم.