وردوا عليه بأن ذلك إنما هو في الفعل المتعدي لواحد إذا ضعف يريد به التضعيف معنى التفريق ، مثل : (غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [سورة يوسف : ٢٣] لأن غلق يتعدى غير متضاعف ، وإما الغير متعدي فإن التضعيف إنما هو للتعدية كالهمزة كأنه يكسبه معنى آخر.
قال ابن عطية : الباء إما للحال فالحق فيه ثابت أو للسبب ، أي بسبب الحق ، أي باستحقاق إن لم يزل ثم تحرك عن مذهب المعتزلة ، فقال : وذلك تفضلا منه لا على أنه واجب عليه أن يفعل.
قوله تعالى : (مُصَدِّقاً).
قال ابن عطية : حال مؤكدة ؛ لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدقا لما بين يديه من الكتب.
قيل لابن عرفة : عادتكم تردون عليه بأن المراد أنه حق في نفسه ثابت ، والحق الثابت في نفسه يمكن أن يصدق غيره ، ويمكن أن لا يصدق ولا يكذب ، فقال : كان يجيب بأن يقول : إن اعتبرنا الحق في نفسه فيجيء ما قلتم ، وإن اعتبرناه من حيث رجوعه إلى الكتب وارتباطه به فلا بد أن يكون مصدقا لما بين يديه ، ومعنى تصديقه لها تصديقه لأصوله لما فيها من الشرائع والأحكام ؛ لأنه مصدق لاستحقاق تلك الأحكام وجريانها بل هو ناسخ لها ، أو المراد بتصديقه لها دلالة على صحة كونها منزله من عند الله.
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ).
قيل لابن عرفة : ما الفائدة في قوله : (مِنْ قَبْلُ) ولو أسقط لم يحتل المعنى ؛ لأنه معلوم أن إنزالها قبل ، وأنها هدى للناس من قبل؟ فأجاب : بأنكم جعلتم (مِنْ قَبْلُ) متعلق بأنزل أو بالتوراة ، وإنما يجعله متعلقا بهدى ، فتقول : تضمنت الآية أن هداية التوراة والإنجيل كان للناس من قبل وذلك غير معلوم ، إنما كان المعلوم أن إنزالها قبل الثاني ، اقتضت من أول أزمنة القبلية إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق ، وأنه ليس بأول ما نزل بل تقدمت كتب قبله واستدام حكمها إلى أزمنة القبلية ، وقال هنا : (هُدىً لِلنَّاسِ) ، وفي البقرة (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، فقيل : للتشريف ، وقيل : إن الهداية يراد بها الإيمان ، قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [سورة الإنسان : ٣] ويطلق بمعنى التوفيق والإرشاد إلى طريق الحق.