قوله تعالى : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
وفي قصة زكريا : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ؟) فأجاب ابن عطية : بأن أمر زكريا حاصل في الإمكان الذي يعتد وإن قل ، وقصة مريم لا تتقارب البتة ، لأن زيادة الولد بين الرجل وامرأة معهود ، وإن كانا شيخين ، بخلاف زيادته بغير رجل ليس من جنس مقدور البشر بوجه ، فعبر عنها بالخلق الذي هو خاص بالله ، إذ لا يقال : فلان يخلق كذا بوجه.
قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً).
ابن عرفة : أي قدره ، والظاهر أن المعنى إذا أراد في الأزل أمرا أبرزه بقوله : (كُنْ) قيل لابن عطية : هل يوجد أن الأمر تابع للإرادة؟ فقال : هذا إلا بقوله (يَمْسَسْنِي).
ابن عرفة : والآية على صحة خطاب المعدوم والمعتزلة ينكرونها وينكرون الكلام القديم ، ويردونه هنا إلى سرعة التكوين ونحن نثبته.
ابن عرفة : فإن قلت : لم قال زكريا : (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ولم تقل مريم كذلك مع أن العكس كان يكون أولى ؛ لأن وجود الولادة من مريم أغرب وأعجب من وجودها من زكريا؟ قال والجواب : إن زكريا دعا بذلك ، وتكرر طلبه فطلب الآية ليشكر الله على إسعافه له بالمطلوب ، ومريم لم يقع منها طلب لذلك بل بشرت بذلك عفوا.
قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ).
أي يصيره عالما بذلك.
ابن عرفة : فإن قلت : هلا قيل : ويعلمه الكتاب ؛ لأن هذا من باب الإعلام لا من باب التعليم ، والإعلام عام يقول : أعلم زيد عمرو أمقيما أي صيره عالما بذلك ، والتعليم خاص ، قال تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) فلأي شيء أطلق على الأنبياء ، وجعل خاصا بهم دون العلم؟ قال : والجواب بوجهين :
أحدهما : أن ذلك تشريف له واعتناء به ؛ لأن لإقبال التعليم الشخص اعتناء به.
والثاني : أن هذا من باب العلم التكميلي ؛ لأن العلوم الضرورية لا يحتاج فيها الإنسان إلى تعليم ، فلو قيل : ويعلمه دخل فيه الضروري فيكون تحصيل الحاصل.