الذين كانت لهم السلطة على أصفهان وما حولها ، فالدولة البويهيّة التي عاش الراغب في عصرها كانت تعتنق المذهب الشيعي ، وأما الراغب فقد كان سنيّا أشعريّا ؛ ومن هنا فقد أبعد الراغب عن المناصب العلميّة والإدارية ، وتمّ تجاهله والحضّ من منزلته ، يوضح ذلك هذا النص الذي ذكره الراغب في «رسالة مراتب العلوم» : «... وما كان لي في الكشف في ذلك إلا أمران : أحدهما : أن أعلمه أن لا يعتمد في الحكايات من لا يقيد كلامه. والثاني : أنه قيل لبعض الصالحين : فلان يسيء ظنه بك فدعه يثقل به ميزانك ، فقال : لا أحب أن أثقل ميزاني بأوزار إخواني ، ولكن طال تعجّبي من ذلك الشيخ الفاضل حرسه الله لأمور رأيتها منه طريفة ، أحدها : إنكاره عليّ التفوه بلفظ «القوة» اعتلالا بأن هذه اللفظة يستعملها ذوو الفلسفة ، وأن أقول بدله «القدرة» كأنه لم يعلم ما بينهما من الفرق في تعارف عوامّ الناس فضلا عن خواصّهم ، ثم ما كان من إبهاماته وتعريضاته ، بل تصريحاته تنفق منه على أشياعه وأتباعه بالوضع عنّي والغض منّي وازدياده بعد المقال مقالا لما رأي مني في مجاوبته جملا ثقالا ...» (١).
ويتضح من هذا النص أن الراغب كان يواجه بحملة انتقاص تهدف إلى الغض من منزلته ، وقد طالت هذه الحملة من التعريض إلى التصريح ، وازدادت حدّتها ، فلما لم يجد الراغب من يدافع عنه سارع للدفاع عن نفسه ، وسواء أكان مصدر هذه الحملة حكام
__________________
(١) انظر : مخطوط رسالة في مراتب العلوم ، للراغب الأصفهاني ، مكتبة أسعد أفندي ، استانبول ، رقم ٣٦٥٤.