وستين ، فاستخرت الله تعالى في حضرته بعد أن صليت ركعتين في روضته وسألته أن ييسر لي أمري فشرح الله سبحانه وتعالى لذلك صدري فلما رجعت من سفري واستمرّ ذلك الانشراح معي ، وكتمت ذلك في سرّي ، حتى قال لي شخص من أصحابي : رأيت في منامي إما النبيّ صلىاللهعليهوسلم أو الشافعيّ يقول لي : قل لفلان يعمل تفسيرا على القرآن فعن قليل إلا وقد قرّرت في وظيفة مشيخة تفسير في البيمارستان ثم سألني بعد ذلك جماعة من أصحابي المخلصين وعلى اقتباس العلم مقبلين بعد أن رأوني فرغت من شرح «منهاج الطالبين» أن أجعل لهم تفسيرا وسطا بين الطويل الممل والقصير المخل ، فأجبتهم إلى ذلك ممتثلا وصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم فيما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسّلام قال : «إنّ رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا» (١) واقتداء بالماضين من السلف في تدوين العلم إبقاء على الخلف ، وليس على ما فعلوه مزيد ، ولكن لا بدّ في كل زمان من تجديد ما طال به العهد وقصر للطالبين فيه الجدّ والجهد ، تنبيها للمتوقفين ، وتحريضا للمتثبطين ، وليكون ذلك عونا لي وللقاصرين مثلي ، مقتصرا فيه على أرجح الأقوال وإعراب ما يحتاج إليه عند السؤال ، وترك التطويل بذكر أقوال غير مرضية وأعاريب محلها كتب العربية ، وحيث ذكرت فيه شيئا من القراءات فهو من السبع المشهورات ، وقد أذكر بعض أقوال وأعاريب لقوّة مداركها أو لورودها ولكن بصيغة قيل ليعلم أن المرضي أوّلها وسميته «السراج المنير» في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير ، وأسأله من فضله وإحسانه أن يجعله عملا مقرونا بالإخلاص والقبول والإقبال وفعلا متقبلا مرضيا زكيا يعدّ من صالح الأعمال ، وقد تلقّيت التفسير بحمد الله من تفاسير متعدّدة رواية ودراية عن أئمة ظهرت وبهرت مفاخرهم ، واشتهرت وانتشرت مآثرهم ، جمعني الله وإياهم والمسلمين في مستقر رحمته بمحمد وآله وصحابته. وها أنا الآن أشرع وبحسن توفيقه أقول وهو الموفق لكل خير ومعطي كل مسؤول.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في العلم حديث ٢٦٥٠ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٢٤٩.