لأنه أهمّ وأدلّ على الاختصاص وأدخل في التعظيم وأوفق للوجود فإنّ اسمه تعالى مقدّم ذاتا لأنه قديم واجب الوجود لذاته فقدم ذكرا.
فإن قيل : قال الله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق ، ١] فقدم الفعل ، أجيب : بأنه في مقام ابتداء القراءة وتعليمها لأنها أوّل سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهمّ باعتبار هذا العارض وإن كان ذكر الله تعالى أهمّ في نفسه ، وذكرت أجوبة غير ذلك في مقدمتي على البسملة والحمدلة ، والباء للاستعانة أو للمصاحبة والملابسة على جهة التبرّك ، والمعنى متبرّكا بسم الله اقرأ ، والثاني أولى لما فيه من التحاشي عن جعل اسمه تعالى آلة ، والأحسن أن تكون لهما إعمالا للفظ في معنييه الحقيقيين أو الحقيقيّ والمجازي عند من يجوّزه كإمامنا الشافعيّ ، والبسملة وما بعدها إلى آخر السورة مقول على ألسنة العباد ليعلموا كيف يتبرّك باسمه ويحمد على نعمه ويسئل من فضله ويقدر في أوّل الفاتحة قولوا كما قال الجلال المحلي ، ليكون ما قبل إياك نعبد مناسبا له بكونه من مقول العباد.
فإن قيل : من حق حروف المعاني التي جاءت على حرف واحد أن تبنى على الفتحة التي هي أخت السكون نحو واو العطف وفائه ، أجيب : بأنها إنما كسرت للزومها الحرفية والجرّ ولتشابه حركتها عملها وحذفت الألف من بسم خطا كما حذفت لفظا دون باسم ربك وإن كان وضع الخط على حكم الابتداء دون الدرج لكثرة الاستعمال ، وقالوا : طوّلت الباء تعويضا من طرح الألف وألحق بها (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) [هود ، ٤١] و (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل ، ٣٠] وإن لم تكتب في القرآن إلا مرّة واحدة لشبهها لها صورة.
فإن قيل : لم حذف في بسم الله دون الله والرحمن الرحيم؟ أجيب : خطان لا يقاس عليهما : خط المصحف وخط العروضيين ، ولا تحذف الألف إذا أضيف الاسم لغير الله ولا مع غير الباء. والاسم مشتق من السموّ وهو العلوّ لأنه رفعة للمسمى وشعار له فهو من الأسماء المحذوفة الإعجاز ، كيد ودم ، لكثرة الاستعمال وبنيت أوائلها على السكون وأدخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل لتعذر الابتداء بالساكن ولأن من دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرّك ويقفوا على الساكن ، وقيل من الوسم ، وهو العلامة فوزنه على الأوّل أفع محذوف اللام ، وعلى الثاني أعل محذوف الفاء ، وفيه عشر لغات نظمها بعضهم في بيت فقال :
سم وسما واسم بتثليت أوّل |
|
لهنّ سماء عاشر تمت انجلي |
والاسم إن أريد به اللفظ فغير المسمى لأنه يتألف من أصوات مقطعة غير قارّة ويختلف باختلاف الأمم والأعصار ، ويتعدّد تارة ويتحد أخرى ، والمسمى لا يكون كذلك وإن أريد به ذات الشيء فهو المسمى لكنه لم يشتهر بهذا المعنى ، وقوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى ، ١] المراد به اللفظ لأنه كما يجب تنزيه ذاته تعالى وصفاته يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب ، أو الاسم فيه مقحم كما في قول الشاعر (١) :
إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما |
|
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر |
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢١٤ ، والأشباه والنظائر ٧ / ٩٦ ، والأغاني ١٣ / ٤٠ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٢٩ ، والخصائص ٣ / ٢٩ ، والدرر ٥ / ١٥ ، وشرح المفصل ٣ / ١٤ ، والعقد الفريد ٢ / ٧٨ ، ٣ / ٥٧ ، ولسان العرب (عذر).